محمية النبي متى.. هل نَفعل أم نَغفل؟
كثيراً ما نتغنّى بالمناطق الجميلة الموجودة في مختلف أنحاء الوطن، سواء أكانت شواطئ أم مناطق أثرية أو غابات طبيعية ومحميات، أو حتى بحيرات وسدود، ومن يستمع إلى كلام المعنيين يخيّل له أن الأمور بألف خير، لكن مجرد وقفة أو جولة قصيرة على أرض الواقع نجد أن الحال عكس ذلك تماماً!.
لن نتشعب كثيراً في ضرب الأمثلة، فمحمية النبي متّى واحدة من المواقع الحراجية المهمّة ليس على مستوى محافظة طرطوس، وإنما على مستوى سورية ككل، لكن ما تعانيه من إهمال بات يهدّد وجودها، سواء من خطر نيران الحرائق أو القطع الجائر!.
جنة على الأرض
في حديث مع بعض زوار المحمية الذين يتوافدون إليها بالعشرات وأكثر يومياً في ظل هذه الأجواء الربيعية اعتبروا أن المحمية جنة من جنان الأرض، وهي متنفس حقيقي لعدد كبير من محبي السياحة الشعبية، لكنها تحتاج لرعاية واهتمام، وقد أشار بعضهم إلى وجود عشرات الأشجار المقطوعة، متسائلين: أين المخفر الموجود لحماية المحمية، كيف تمّ التعدي على الأشجار بالقرب منه؟ فيما انتقد آخرون انتشار أكوام القمامة تحت الشجر نظراً لعدم وجود حاويات، وإن كان الزوار يتحمّلون جزءاً من مسؤولية النظافة، لكن هذا لا يبرّر عدم وجود اهتمام من قبل الجهات المعنية بنظافة المكان، علماً أن هناك حملات نظافة تطوعية تقام في الكثير من المناطق، فلماذا لا يكون هناك حصة للمحمية بحسب ما سأل أحد الزوار؟.
إجراءات الحماية
ما أثاره زوار المحمية من خطر تعرّضها للحرائق مع اقتراب فصل الصيف، إضافة للقطع الجائر، وضعناه على طاولة المعنيين في شُعبة حراج الدريكيش، لتوضح المهندسة عتاب حسن رئيسة الشُعبة أن هناك جهوداً كبيرة تُبذل لحماية المحمية وفق الإمكانيات المتاحة، مشيرة إلى وجود مخفر حراج وحراس حراجيين موزعين على قطاعات المحمية، إضافة إلى وجود وحدة خاصة للحماية من التعديات، وأخرى لإطفاء الحرائق مزودة بصهريج تدخل سريع وعمال إطفاء، وجميعهم يتبعون شُعبة حراج الدريكيش، عدا عن وجود وحدة اتصال وتنمية تقوم بنشاطات إرشاد حراجي لتوعية المجاورين للمحمية بأهميتها وضرورة حمايتها، من خلال الإبلاغ عن الحرائق والمشاركة في إطفائها حال حدوثها. وهنا نسأل: طالما توجد كل هذه الإجراءات للحماية، كيف تحدث التعديات على أشجار المحمية من قطع وحرائق وصيد عشوائي؟.
معلومات عن المحمية
تقع على الحدود الشرقية لمحافظة طرطوس، وتبعد عنها حوالي 50 كم وعن الدريكيش حوالي 15 كم، ترتفع عن سطح البحر 1070 متراً، وتبلغ مساحتها 2000 دونم، يؤمها الزوار والسياح من كافة المحافظات، حيث بلغ عدد زوارها العام الماضي 4000 زائر من المجتمع المحلي والكروبات السياحية والمخيمات. وبحسب المهندس سهيل صبح رئيس المحمية فإنها تتميّز بالجو البارد شتاء والمعتدل صيفاً، وهي ذات تربة بركانية بازلتية خصبة، ويصل معدل الهطول المطري السنوي فيها إلى أكثر من 1300 مم، وتتميّز بكثرة الينابيع ومياهها العذبة، وما يزيد من أهميتها السياحية أنها تقع ضمن مجموعة من المواقع الأثرية والطبيعية المهمّة مثل موقع حصن سليمان الأثري ومغارة بيت الوادي الطبيعية وقلعة بيت الشيخ ديب.
وبيّن صبح وجود أغلب أنواع الصنوبريات مثل الصنوبر الثمري والبروتي والحلبي، وكذلك الأرز اللبناني والروبينيا وأشجار الكستنا، إضافة إلى الشوح، هذه البيئة الحراجية جعلت الظروف مناسبة لانتشار الكثير من الكائنات الحيوانية والطيور المستوطنة والمتكيّفة مع البيئة المحلية، والأنواع المهاجرة والعابرة والزائرة، ووجود أنواع من الثعالب والسحالي والأفاعي والسنجاب، وحيوانات وطيور أخرى.
نشير أخيراً إلى أن المحمية أعلنت محمية حراجية طبيعية بموجب القرار رقم 211 تاريخ 29/ 9/ 2009، ولأنها الرئة الحقيقية للسكان المحليين والزائرين والسياح لا بد من تكاتف جهود جميع الجهات المعنية والأهلية للحفاظ عليها، وخاصة حماية أشجارها الباسقة التي وإن قطعت تحتاج إلى عشرات السنين لتعود، فهل نفعل أم نغفل عنها؟.
دارين حسن