اتفاقية باريس بعيدة المنال
ترجمة وإعداد: هناء شروف
بعد ست سنوات من اعتماد اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما بين 1.5 إلى 2 درجة مئوية، يبدو أن التقدم بعيد المنال هذا القرن. ويؤكد التقرير الأخير الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة مرة أخرى على الواقع الصارخ الذي نواجهه. وكما قالت السكرتيرة التنفيذية السابقة لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ كريستيانا فيغيريس، فإن نتائج التقرير ببساطة “مرعبة” وما هو على المحك “الرفاهية طويلة المدى للحياة بأكملها على هذا الكوكب”.
كان هناك بصيص من الأمل مع التزام البلدان بأهداف مناخية أكثر طموحاً وطرح سياسات وطنية جديدة، ورغم ذلك فإننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد. وإذا أردنا متابعة اتفاق باريس وتحقيق أهداف التنمية المستدامة خلال هذا العقد، فيجب أن تكون هذه الالتزامات مدعومة بخطط ملموسة وإجراءات سريعة من جميع شرائح المجتمع. حيث يجب التأكيد على الحاجة إلى إنتاج الهيدروجين من الطاقة المتجدّدة بدلاً من الوقود الأحفوري، وتمهيد الطريق لحلول متغيّرة لإحداث تحول جذري في القطاعات عالية الانبعاثات.
لطالما كان تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر من أولويات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث يتمّ العمل عن كثب مع الوزارات والمدن على إنتاج مركبات خلايا الوقود وتسويقها منذ عام 2003، وقد تمّ التوسع مؤخراً ليشمل دعم البلدان بإنتاج الهيدروجين القائم على الطاقة المتجدّدة، وتسخير دور الهيدروجين الأخضر في الطاقة والصناعات، والتدريب المهني التقني لاقتصاد الهيدروجين. ومع وضع خطة الهيدروجين الجديدة موضع التنفيذ هناك بعض القضايا الرئيسية لنجاح طرحها:
أولاً: لنشر الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع من المهمّ دفع كلّ من العرض والطلب في الوقت نفسه. من ناحية العرض، يعدّ تقليل تكلفة الهيدروجين، ولاسيما المحلل الكهربائي أمراً بالغ الأهمية. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية بلغت اعتباراً من تشرين الأول من العام الماضي قدرة مشاريع المحلل الكهربائي قيد الإنشاء أكثر من 260 غيغاوات على مستوى العالم. كما تقدّر الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة أن تكلفة الهيدروجين الأخضر يمكن تخفيضها بنسبة تصل إلى 85 في المائة من خلال جعل الطاقة المتجدّدة والمحللات الكهربائية أرخص وأكثر كفاءة.
ولدفع الابتكار التكنولوجي اللازم لزيادة أداء المحلل الكهربائي والمتانة والموثوقية، نحتاج إلى تعاون متعدّد التخصصات وجهود مشتركة من البحث والممولين والصناعات. سيسمح هذا بإنتاج الهيدروجين الأخضر منخفض التكلفة على نطاق واسع والذي يمكن أن يوفر إمدادات طاقة أنظف وأكثر أماناً للمتسوقين، والأهم من ذلك ينتج عنه انخفاض انبعاثات الكربون.
من ناحية الطلب، تتمتّع حلول الطاقة القائمة على الهيدروجين بأكبر إمكانية للتأثير في القطاعات عالية الانبعاثات، ولكن يجب أن تعمل الصناعات بسرعة. وبالفعل يأتي أكثر من 78 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم من قطاعات الطاقة والنقل والصناعة، وتتطلّب إزالة الكربون عن هذه القطاعات حلولاً متنوعة من خلال مصادر الطاقة المتجدّدة باستخدام الهيدروجين الأخضر. وتحقيقاً لهذه الغاية يجب وضع خرائط طريق إزالة الكربون للصناعات عالية الانبعاثات مثل صناعة الحديد والصلب وإنتاج الأمونيا والإسمنت، مع أهداف وجداول زمنية طموحة لاعتماد الهيدروجين الأخضر.
ثانياً: لتنمية اقتصاد الهيدروجين، يلزم وجود بنية تحتية جديدة تماماً بدءاً من المستوى الإقليمي، لأنه من الصعب على المستثمرين الالتزام بتطوير إمدادات الهيدروجين والبنية التحتية للتوزيع عندما لا يكون هناك يقين في الطلب. ولحلّ هذه المشكلة، يمكن إعداد إنتاج واستهلاك الهيدروجين في مجموعات جغرافية مركزة. ومن خلال القيام بذلك يمكن تطوير نظام بيئي شامل للهيدروجين وسلسلة القيمة مع العديد من تطبيقات الاستخدام النهائي التي تشترك جميعها في بنية تحتية مشتركة. وهذا سيساعد في إدارة التكاليف وجذب الاستثمار وتأمين المزيد من اتفاقيات الشراء مما يسمح بنمو اقتصاد الهيدروجين.
ثالثاً: الآثار الإيجابية للهيدروجين الأخضر تتجاوز الحدّ من الانبعاثات، ووفقاً للبحث يتمّ إنشاء ما يقرب من 54000 فرصة عمل لكل ميغا طن من الهيدروجين المنتج. وهذا يمثل فرصة مهمة على وجه الخصوص للمناطق ذات الإمكانات العالية للطاقة المتجددة، ولكن مستويات التصنيع المنخفضة بخلاف ذلك.
بالإضافة إلى ذلك يمكن للصناعات التي يتمّ فيها إنتاج الهيدروجين حالياً كمنتج ثانوي غير مستخدم تسخير هذا المورد لخلق المزيد من الوظائف، والمساعدة في تعويض فقدان الوظائف الذي ينشأ في القطاعات التقليدية نتيجة التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
أخيراً، تعتبر اللوائح المالية المعزّزة مهمة للمساعدة في تسريع اعتماد الهيدروجين الأخضر مع استمرار انخفاض تكلفة الطاقة المستمدة من مصادر الطاقة المتجددة مقارنة بالوقود الأحفوري. يمكن للسياسات المستهدفة أن تساعد في تسريع الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري نحو حلول منخفضة الكربون مثل الهيدروجين الأخضر عن طريق توليد إشارات أسعار تأخذ في الحسبان التكاليف الاجتماعية والبيئية لتلك الصناعات ذات الاستهلاك العالي للطاقة والتلوث.
ويمكن أن يساعد ذلك في قلب الميزان للمستثمرين من خلال زيادة تضييق هامش الربح للاستثمار في المشاريع كثيفة الكربون، ولاسيما بالنظر إلى تكلفة احتمال الاضطرار في النهاية إلى إيقاف التشغيل مع احتجاز الكربون وتخزينه. إلى جانب المعايير المؤسسية وتفويض الكشف عن المخاطر المتعلقة بالمناخ، يمكن لآليات الحوافز القائمة على الأسعار أن تجعل الهيدروجين الأخضر خياراً جذاباً بشكل متزايد مما يسرع الاستثمارات في نشره على نطاق أوسع.
لذلك سيواصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دعم التطوير المستقبلي للهيدروجين الأخضر، وعلى وجه الخصوص تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعرفة حول إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتطوير وتنفيذ المشاريع التجريبية التي تهدف إلى توسيع استخدام الهيدروجين الأخضر في الصناعات والمباني وأنماط النقل، والمساعدة في إعداد الناس للمستقبل من العمل في اقتصاد الهيدروجين.