طلال معلا في عيده السبعين
لم يكن من السهل تلخيص برزخيات الفنان طلال معلا ضمن الأمسية الحوارية التي عُقِدَت بمناسبة عيده السبعين مؤخراً في غاليري زوايا بإدارة الإعلامي ملهم الصالح، وقد احتلّ حديثه عن وجوده في الإمارات العربية المتحدة مساحة كبيرة، وهو الذي قضى فيها أكثر من عشرين عاماً فاعلاً في حراكها التشكيلي، مبيناً أنه حين وصل إلى الإمارات كان عدد العاملين في دائرة الثقافة والإعلام هناك لا يتجاوز عدد أصابع اليد، ليغدو هذا العدد بالآلاف بعد فترة، وكان أول من أدخل جهاز كومبيوتر إلى هذه الدائرة، إضافة إلى تأسيسه لمجلة “الرافد” التي أصبح رئيساً لتحريرها، وتأسيسه لبينالي الشارقة للفنون، وبينالي الخط العربي. وأوضح معلا الذي عاصر أجيالاً مختلفة من الفنانين في الإمارات أن الفن التشكيلي الإماراتي منقسم إلى جيلين: واحد ينتمي إلى الحداثة، وآخر إلى ما بعد الحداثة، والجيل الأول يضمّ الرواد الأساسيين ومن تابعوا في هذا الاتجاه، أما الثاني فيعتمد التقنيات الحديثة والفنون المعاصرة، مع وجود عدد من الفنانين الشباب استطاعوا اختراق الحركة الفنية العالمية.
الرقة
وعن تأثير مدينة الرقة في وجدانه وذاكرته وعمله وهو ابن مدينة اللاذقية، بيّن طلال معلا أنه وصل إلى مدينة الرقة في السابعة من عمره وكانت مدينة هادئة ووديعة، وقد أثرت كثيراً عليه وعلى هويته الفنية، فهي المدينة التي نشأ فيها في فترة الطفولة والمراهقة، وشهد التطورات التي حصلت فيها كبناء سد الفرات وإنشاء مدينة الثورة، موضحاً أنه أحدث في الرقة تجمع فنّاني الرقة بالتعاون مع مجموعة من الفنانين، وكانوا كلهم غير خرّيجين، وقد حصلوا في تلك الفترة على عضوية نقابة الفنون الجميلة، وكان التجمع يقيم معارض في المدينة إلى جانب فعاليات ثقافية متعدّدة، منوهاً بأنه في البداية كان لديه طموح بدراسة السينما، وحاول السفر خارجاً من أجل ذلك، إلا أن ذلك لم يتحقق، وهو الذي كان يدرس اللغة العربية في جامعة تشرين، إلى أن سافر إلى إيطاليا للدراسة التي سرعان ما قطعها في العام 1990 ليرافق زوجته إلى الإمارات من أجل التدريس فيها.
الحركة التشكيلية في سورية
مع بداية الحرب على سورية عاد طلال معلا إلى بلده من أجل مشروع ثقافي له علاقة بدعم وتطوير المتاحف ومواقع التراث الثقافي، إلا أن الحرب غيّرت بعض المخططات والاستراتيجيات التي كانت مقرّرة، دون أن يخفي أن قضايا كثيرة أعاقت عمل المؤسّسات فيما يجب أن يُقَدَّم من خلالها، واليوم مطلوب وجود سياسة ثقافية واستراتيجيات ثقافة بشكل صحيح لتطوير المفاهيم التي تجعل الفنان على صلة بالفن، مشيراً إلى أنه لا توجد حركة تشكيلية في سورية وإنما هناك مشهد وتوجّهات تشكيلية، وبالمقابل هناك نقّاد وفنّانون ولا توجد حركة نقدية، فوجود نقد مرتبط برأيه بالحراك الأكاديمي، فهو لا يقتصر على من يكتبون في الصحافة، بل على طرح أفكار أساسية يتمّ البناء عليها في الفن، وأنه اهتمّ بالنقد بشكل كثيف من خلال الكتب التي أصدرها، ساعده في ذلك وجوده في بينالي الشارقة، إلى جانب القراءات الفلسفية التي كان يُقدّمها المفكرون في اللقاءات التي كان يقوم بإجرائها معهم، وكان لها دور كبير في تشكيل وعيه النقدي الذي تبلور في مجموعة من الإصدارات التي كان يصدرها مع كل دورة من دورات بينالي الشارقة.
دعوة للكلام
ورأى طلال معلا أن الأسلوب مقيّد للفنان ويمنعه من أن يعبّر عما يشعر به، ودونه يستطيع الفنان أن يكون أكثر حرية في التعبير عن حالته النفسية، أما الصمت الذي عنوَن به عدداً كبيراً من معارضه إنما لرغبته في ألا يذهب إلى الأشياء بشكل مباشر، ولإيمانه أن الرموز هي التي تفعّل العلاقة مع الجمهور، وتركيزه على الصمت ما هو إلا دعوة للكلام، في حين أن البؤس في أعماله ليس غاية بحدّ ذاتها إنما للحديث عن قضايا مجتمعية موجودة، مؤكداً أنه لم ينتج لوحة حروفية بالمعنى الفلسفي والمطروح كجزء من التيار في التشكيل العربي، وما يقوم به أحياناً أنه يعلّق أو يكتب شعراً على طرفي الموتيف، وحين أقام أحد معارضه في دمشق دون أن يكون موجوداً فيها لوجوده خارج القطر، بيّن أنه لم يجد حرجاً في ذلك لأنه يؤمن أن اللوحة هي التي تحضر في المعرض وليس الفنان، منوهاً بأنه يمكن عرض اللوحة في أي مكان، وأن هناك تجارب في المغرب العربي تحت مسمّى حماية البعد الرابع عُرضت فيها اللوحة في الشارع لتغيّر مفهوم الطريقة التي تُعرض فيها اللوحات، لأن أي مكان مؤهل لاستقبال الناس مع اللوحة.
أمينة عباس