“الوقود الحيوي” الخطر القادم على الأرض
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
مهما كانت مبرّرات الدول الكبرى في اتجاهها إلى الوقود الحيوي بدلاً من البترول ومشتقاته، معلّلة ذلك بإصلاح أخطائها في حق البيئة باستخدام مصادر الطاقة النظيفة، أو لارتفاع أسعار البترول لأرقام قياسية، المبررات غير مبررة ولا مقبولة وغير أخلاقية، أن تقوم مجموعة دول بتحويل المحاصيل الغذائية اللازمة لسدّ جوع سكان الأرض إلى (ايتانول) لتسيير السيارات والماكينات، فيزدادون تقدماً وتطوراً ونزداد جوعاً مع تآكل مساحة الرقعة الزراعية حول العالم وندرة مصادر المياه وارتفاع أسعار الغذاء.
في نظرة أنانية متوحشة لا تنظر الدول المصنّعة للوقود الحيوي بعين الرحمة أو الاعتبار لشركائها في الكوكب نفسه، ولا يعنيها مستوى الضغط على الدول المنتجة للنفط، ولا تعبأ بتأثير ذلك على الشعوب النامية والفقيرة، بدليل أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، أكثر منتجي الوقود الحيوي قررا مضاعفة إنتاج (الايتانول) خمسة أضعاف الكميات المنتجة. ويرى الباحثون في هذا المجال أن الوقود الحيوي أو الذهب الأخضر، كما يُطلق عليه، هو أكذوبة ترتكن إليها الدول الكبرى باعتبارها الحلّ السحري لأزمة الطاقة، كما أثبتت الدراسات أن كل (13) ليتراً من (الايتانول) يحتاج استخراجها إلى (230) كيلو غراماً من الذرة، وهي كمية تكفي لأكثر من شخص لمدة عام كامل، كما أنها تستنزف (5) آلاف ليتر ماء لإنتاج ليتر واحد من الوقود الحيوي، بما يمثل إضراراً شديداً لموارد المياه العذبة المحدودة أصلاً لدى محاصيل الوقود الحيوي.
والجدير بالذكر وحسب إحصاءات الأمم المتحدة أن 90% من إنتاج الوقود الحيوي العالمي يتركز في أمريكا والبرازيل وأوروبا، حيث تنتج الولايات المتحدة 43% من إجمالي الوقود الحيوي من محصول الذرة، وخلال العام 2020 ذهب ثلث إنتاج الولايات المتحدة من الذرة إلى خزانات الوقود لإنتاج 15 مليون برميل (ايتانول)، حيث تعمل الولايات المتحدة على تقليص الاعتماد النفطي بمقدار 29%. أما البرازيل فتنتج 32% من الوقود الحيوي من محصول قصب السكر، ووصل إنتاجها إلى نحو 15 مليار ليتر من (الايتانول) تستهلك منه محلياً (13) ملياراً لشهر وتصدّر (21) ملياراً.
أما أوروبا فتنتج 15% من الوقود الحيوي العالمي وتعتمد في الإنتاج على نبات اللفت وزيت عباد الشمس وزيت النخيل، حيث ينتج الاتحاد الأوروبي 3.5 أطنان من الديزل، ويأمل الاتحاد أن يقلّص استخدام البترول بنسبة 10% بحلول 2025 وتعويضه بالوقود الحيوي، أما الصين فتنتج 3% من الوقود الحيوي وتعتمد على الذرة والمخلفات الزراعية.
الإحصاءات السابقة تشير إلى إصرار الدول المنتجة للوقود الحيوي على المضي قدماً رغم الآثار الخطيرة التي بدأت تتضح في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، حيث أشار الصندوق الدولي إلى نسبة ارتفاع أسعار الغذاء، وأن ارتفاع أسعار الحبوب قد أثر على أسعار اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان، بينما أشار البنك الدولي إلى أن الوقود الحيوي هو المسؤول عن زيادة أسعار الغذاء التي بلغت 45% على مدى السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى حدوث اضطرابات سياسية واجتماعية في 11 دولة نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية، والخطير هنا أنه عكس ما تدّعي تلك الدول، فإن استخدام الوقود الحيوي يهدّد البيئة مثلما يهدّدها الوقود (الأحفوري)، فقد أظهرت لجنة المراجعة البيئية في مجلس العموم البريطاني أن (الوقود الحيوي يفرز غازات ضارة بالبيئة أكثر ما يفرزه الوقود الأحفوري، وأن بعض الغابات قابلة للإزالة من أجل زراعة نباتات الوقود الحيوي، ما يخلّ بالبيئة ويزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها الأشجار).
الغريب أن مصر من ضمن الدول التي بدأت بإنتاج الوقود الحيوي قبل الخمسينيات، كما يشير الدكتور (سامر المفتي) المتخصّص بمركز بحوث الصحراء، إلا أن مصر بدأت منذ سنوات فكرة استخراج الوقود الحيوي من النباتات غير الغذائية، عندما وجد العلماء المصريون أنه يمكن زراعة نبات (الجوجويا) الذي يُزرع في المناطق المدارية والمناخية نفسها المشابهة لتربة ومناخ مصر في الصحراء الممتدة بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهكذا نجد أن الوقود الحيوي قد أشعل اضطرابات سياسية واجتماعية في 33 دولة ما بين مؤيد ورافض لهذه الفكرة الاقتصادية التي عمّت الدول الكبرى، وأصبحت تسبّب إهدار نحو (5000) ليتر ماء لإنتاج ليتر واحد من الوقود الحيوي الذي أصبح استخدامه هو الاستغناء عن النفط ومشتقاته الحيوية، ورغم أن أسعار السلع ازدادت 83% حسب إحصاءات البنك المركزي بسبب الوقود الحيوي إلا أن الدول الكبرى لازالت تصرّ على نجاح هذه التجربة التي تعتمد استخراج هذا الوقود من الزراعة لسدّ جوع سكان الأرض ولتسيير الآلات والسيارات والقطاعات، رغم أن هذه التجربة تضرّ بالبيئة والزراعة والغابات المنتشرة حول المدن!.