لماذا العزوف عن زيت الزيتون؟
علي عبود
من الصعب الاستغناء عن الزيت النباتي لأنه أصبح بديلاً عن مادة السمنة التي حلّقت أسعارها إلى حدود عالية وغير مسبوقة، ولم تعد في متناول العاملين بأجر، ولكن ماذا عن مادة زيت الزيتون المتوفرة بكميات تكفي حاجة السوق؟ أي لماذا لا تكون البديل عن الزيت النباتي شبه المفقود؟
من الملفت أن منع تصدير زيت الزيتون لم يسهم باستبداله بالزيت النباتي، بل إن المنتجين يعانون حالياً من صعوبات في تسويق المادة من جهة، ومن تخزينها في براميل مكلفة مادياً وضمن شروط فنية قد لا تتوفر من جهة أخرى.
نعم.. لماذا تعزف ملايين الأسر السورية عن شراء زيت الزيتون ما دام بديله النباتي شبه مفقود، بدليل أن وزارة التجارة أخلفت بوعدها ولم تستطع تأمينه بسعر أقل من سعره في السوق السوداء؟ إذا كانت المسألة مادية، فإن سعر ليتر زيت الزيتون، وفق ما صرّح به بعض المنتجين الكبار، يتراوح بين 12500 ليرة و15000 ليرة أي أقل أو يوازي سعر الزيت النباتي؟
القطبةُ غير المخفية في عزوف الناس عن الإقبال على زيت الزيتون ليست في السعر، وإنما في عدم توفر المادة بعبوات من سعة ليتر أو أقل بسعر يوازي مثيله النباتي، إذ ليس بمقدور غالبية الأسر شراء بيدون بسعر 250 ألف ليرة أو 300 ألف، بدليل أن عبوات الليترين من الزيت النباتي اختفت منذ سنوات لأن هناك صعوبة بتصريفها أسوة بعبوة الليتر. أما الشركات الخاصة التي تسوّق زيت الزيتون بعبوات الليتر فأسعارها مرتفعة وأغلى من مثيلاتها النباتية بعدة آلاف، أي لا تجد إقبالا من ملايين العاملين بأجر.
ما الحلّ لتسويق زيت الزيتون بعبوات الليتر بأسعار توازي مثيله النباتي؟
لا شكّ أن المستهلك يعرف جيداً الفوائد الصحية لزيت الزيتون، لكنه غير قادر على شرائه، سواء بالبيدون أو بعبوات صغيرة منتجة في شركات خاصة. وبالمقابل، فإن المنتجين يتكبّدون تكاليف عالية تبدأ من القطاف إلى التعبئة (أجرة النقل إلى المعاصر 20 – 30 ألف ليرة، وأجرة عصر “بيدون” الزيت 12 ألف ليرة، وتكاليف عالية للتقليم والري والتسميد.. إلخ)، بل إن أجور القطاف وحدها تصل إلى أكثر من 35% من إجمالي تكاليف زيت الزيتون، ويعاني المنتجون منذ شهرين من انخفاض تسويق مادتهم بنسبة لا تقلّ عن 80% دون أي مساعدة من الحكومة.
صحيح أن زيت الزيتون يمكن تخزينه، لكن العملية مكلفة، فهي تحتاج براميل لا يقلّ سعر الواحد منها عن 100 ألف ليرة، وتحتاج مساحات واسعة بشروط تخزينية كي لا يفسد الزيت (أي ارتفاع جديد بالتكلفة!).. إلخ، وعندما تقرّر الحكومة منع تصدير زيت الزيتون، فالمفترض أن لديها خطة لتسويقه داخلياً، من ضمنها بيعه عبر صالات السورية للتجارة، وهذا الأمر لم يحصل، فلماذا؟!
أليس مستغرباً أن يبحث المواطن عن عبوة زيت نباتي من محلّ إلى آخر، في الوقت الذي توقف فيه تسويق زيت الزيتون منذ شهرين تقريباً؟ ونسأل مجدداً: هل يمكن تسويق مادة زيت الزيتون في ظل أزمة توفر مادة الزيت النباتي بأسعار في متناول ملايين العاملين بأجر؟
نشيرُ هنا إلى أن “السورية للتجارة” كان يتبع لها حتى عام 2011 معمل لتعبئة زيت الزيتون بعبوات زجاجية صغيرة، وبسعر أقل بكثير من مثيلاتها المعبّأة في شركات القطاع الخاص، وكان يُباع المنتج بكميات كبيرة تنفد بسرعة! وقد اختفى منتج “السورية للتجارة” بعد تدمير المعمل، دون أن تسعى وزارة التجارة بالتنسيق مع وزارة الصناعة لإيجاد البديل لدى إحدى شركات الزيوت العامة.. فلماذا؟
بالمختصر المفيد: بدلاً من أن يحتكر التّجار مادة زيت الزيتون، وتخزينها للتحكم بعرضها وأسعارها، يجب على وزارة التجارة استجرارها مباشرة من المنتجين وتعبئتها بعبوات “الليتر”، وتوزيعها بسعر مدعوم على ملايين الأسر السورية، فهل ستفعلها أم ستبقى منشغلة باستيراد الزيت النباتي وتوزيعه بكميات هزيلة بمعدل عبوة واحدة كل عدة أشهر؟!.