دار الأسد للثقافة والفنون تحتفل بعيد ميلادها الـ 18: تصميم أشدّ على تعزيز الثقافة السورية
من مدينة العشق والجمال، مدينة الثقافة والإبداع والحضارات المتعاقبة، من ساحة الأمويين ومن بهو دار الأسد للثقافة والفنون (دار الأوبرا)، بدأ الاحتفال بميلاد هذا المكان الثقافي الحضاري في ذكراه الـ 18، والذي أطلقت عليه الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة “سنّ الرشد”.
وبعد أن عزفت الفرقة السمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان النشيد العربي السوري، استحضر الفيلم التوثيقي (تاريخ دار الأوبرا) مبتدئاً بحفل افتتاح الدار بحضور السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء الأسد في مساء السابع من أيار عام 2004، فتزامنت هذه اللحظة التاريخية مع احتفال مباشر من مسرح الأوبرا بإطلاق المشاعل وتصفيق الجمهور تحية إلى قائد الوطن والسيدة عقيلته.
كما اختزل الفيلم أهم المراحل الزمنية التي مرّت بها الدار باستضافة أجمل الفرق الدولية، إضافة إلى العديد من العروض المسرحية والسينمائية، والمشاركات الفردية والعمل على إحياء التراث وتنمية المواهب، فعكست ثقافة الشعب السوري الذي يملك التاريخ والحضارة والحب.
حلم تحقق
وفي كلمتها، أشارت الدكتورة مشوّح إلى أن عظمة الشعوب تُقاس بأهمية منجزها الثقافي الحضاري وأصالته، وتقاس أيضاً بأحلامها الكبيرة وقدرتها على استشراف المستقبل، وبجهود أبنائها لا بل بجهادهم لبناء ما تفيد منه الأجيال الآتية. وأوضحت أن هذا المكان يجسّد حلماً وإرادة وعملاً دؤوباً دام لعقود قبل أن يتحقق ويجسّد الانفتاح على آفاق جديدة وعوالم فنية رحبة، انفتاح لا يهمل التراث ولا ينال من الأصالة، بل يعزّزها باحتضان المتميز، وتابعت بأن الدار استمرت بتأدية مهمتها طوال سنوات الحرب رغم استهدافها من قبل الإرهابيين واستشهاد عدد من العاملين والرواد. كما نوّهت بأن الدار اليوم بلغت “سن الرشد”، وقدّمت ما يليق بروادها وبسورية وبالثقافة.
سياسة ثقافية
وفي حديثها مع الإعلاميين، عادت مشوّح إلى مرحلة بزوغ فكرة إحداث دار الأوبرا، مشيرة إلى أن سورية لم تكن آنذاك بحالة من البحبوحة، ولكن كانت هناك سياسة ثقافية بعيدة النظر ترى في إنشاء هذا الصرح الثقافي العظيم فائدة على المجتمع ككل، وعلى بناء الفكر الإنساني لمواطنيه، وقد أثبتت الأيام صحة هذه الرؤية بعيدة المدى، مشيرة إلى الدور الذي تلعبه دار الأسد للثقافة والفنون على الساحة الثقافية والذي لا يضاهيه دور آخر، مع الاحترام والتقدير لكل منابرنا الثقافية، فلهذا المكان خصوصيته وبهاؤه وجماله وهو محفز وحاضن للإبداع، وكل مافيه جميل من حيث الطراز المعماري والبناء والكوادر والصيانة والعناية الفائقة به.
تاريخنا وعروبتنا
أما عن المرحلة القادمة فتعد بالكثير، وتابعت: نحن نعيش مرحلة صعبة لكن الثقافة لم تتوقف في أشدّ مراحل الحرب قسوة، واليوم نمرّ أيضاً بمرحلة صعبة، مرحلة الحصار ومحاولة تجويع وتيئيس الشعب السوري، لكن هيهات فالشعب السوري أقوى.
وعقّبت مشوح على سؤال حول الانتعاش الواضح بالثقافة حالياً: الانتعاش ينبثق من صميم ثقافة الشعب السوري وحضارته، فنحن لا نقبل أن نكسر أو نهزم حتى لو جار علينا الزمن، فتاريخنا لا يسمح لنا، ولا ما حققته سورية العروبة والأصالة، تاريخ سورية يستمر وسنسلم الأمانة للأجيال القادمة.
ثقافة المحبة والتآخي
المايسترو أندريه معلولي أعرب عن سعادته بالاحتفال بميلاد الأوبرا الثامن عشر، مستذكراً تطلعه بشغف إلى هذا المكان منذ أن كان طالباً مع زملائه في المعهد العالي للموسيقا حينما كان البناء قيد الإنجاز، وكانوا يرون أستاذهم وقدوتهم صلحي الوادي يشير إلى البناء ويقول لهم “هنا مستقبلكم هنا حياتكم وهنا أملكم”، واليوم دار الأوبرا تستقبل أهم الأسماء العالمية والعربية والسورية على مسارحها، ولم تتوقف عن العمل وتقديم العروض رغم الأوضاع الصعبة التي تعرّضت لها سورية في زمن الحرب، فالموسيقا كانت حاضرة دائماً على مدى عشر سنوات ونيف تبثّ روح الأمل، ومازال الحلم بتقديم ما يليق بدار الأوبرا لتكون سفيرة سورية في العالم تنشر ثقافتها المعبّرة عن ثقافة المحبة والتآخي.
أغنيات أوبرالية
ثم قدّمت الفرقة السمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان مقطوعات آلية وغنائية، فكانت الافتتاحية بمقطوعة لآلة الأورغن والأوركسترا مصنف رقم 81 للمؤلف الكساندر غيلمان بمشاركة عازف الأورغن أغيد منصور، بدأت بالوتريات وتناغمت مع نغمات الأورغن البراقة، ومن ثم يتصاعد اللحن مع ضربات التيمباني والنحاسيات ليأخذ الأورغن اللحن الأساسي في مواضع ويكتمل اللحن الحيوي مع آلات النفخ الخشبية وتشكيلة الفرقة.
وتابعت الفرقة عزف أغنية دليلة من أوبرا “شمشون ودليلة” للمؤلف كاميي سان سان (ترجمة د. نبيل أسود) وقد أدّت سوزان حداد دور دليلة بالغناء الأوبرالي والتعبير الدرامي بتدرجات صوتها على وقع لحن موسيقي هادئ “ساندني أيها الحب في لحظات ضعفي”، واتخذت فيها الوتريات دوراً أساسياً، وسردت الأغنية الصراع بين الحب والانتقام، لتصل إلى “ها هو قد خضع وهُزم أمامي”.
ثم قدّمت الفرقة مقطوعة رقصة “باكاناليه” من أوبرا شمشون ودليلة للمؤلف ذاته، وتميّزت بدور النحاسيات والمؤثرات الإيقاعية ضمن تشكيلة الفرقة ونغمات الهارب، ليتصاعد اللحن بدرجة صوت أقوى مع ضربات التيمباني والطبل. وإلى جورج بيزيه وأغنية كارمن من أوبرا كارمن غنتها سوزان حداد “السكيديا” (لأحتسي نبيذ المانوانينا).
“حياتي إنت”
المنعطفُ كان بتحية حب ووفاء إلى المايسترو صلحي الوادي بعزف مقطوعة من مؤلفاته “تأملات على لحن لمحمد عبد الوهاب – حياتي إنت” بزخم موسيقي قوي وبدور التشيللو بصوته الرخيم ونغماته الحزينة، ومن ثم يمضي المسار اللحني بالتوازي بين الوتريات وآلات النفخ الخشبية بحضور الباصون وتقفل بصولو التشيللو. كما قدّمت الفرقة مختارات من باليه غايانيه للمؤلف آرام خاتشادوريان، رقصة البنات الورديات ورقصة سكان الجبال، وأنهت البرنامج بالمقطع الختامي من افتتاحية عام 1812 مصنّف رقم 49 للمؤلف تشايكوفسكي.
ملده شويكاني