ليس مجرد اقتباس بل حقيقة عقائدية
علي اليوسف
مع بدء العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا، كشف الكيان الصهيوني عن وجهه الحقيقي تجاه روسيا، وهو ما أثار الكثير الكثير من إشارات الاستفهام. صحيح أن الكيان لم يفصح صراحة عن حجم الدعم لرئيس أوكرانيا والحلف الغربي الذي يقف خلفه، إلا أن ربط وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بين النازية واليهودية بإعلانه عن الدماء اليهودية التي جرت في شرايين الزعيم النازي أدولف هتلر من جهة جده، يشي بأن أيادي الكيان الخفية متورطة في لعبة قذرة لا أحد يعلم بها إلا روسيا والمشغلون للكيان الإسرائيلي.
لم يكن موقف موسكو ردّة فعل على الدور الخفي للكيان، بل هو موقف مدروس بعناية، ولم يكن ليخرج الى العلن لولا أنه يستند إلى معطيات تؤكد العلاقة بين النازية والصهيونية اللتين يجمعهما منطق الاستعلاء، واستغلال باقي الشعوب كيفما تقتضي مصالحهما. وحتى “الأشكيناز” الذين ينتمون تاريخياً إلى الفضاء الروسي ليسوا على علاقة حميمة مع المجتمع الروسي صاحب المذهب الأرثوذكسي المعادي بطبيعته لليهود لأسباب دينية متعددة، منها تحميلهم مسؤولية صلب السيد المسيح، إضافة إلى سلوكهم المنفصل عن المجتمعات التي تحيط بهم.
تاريخياً نشأت نواة الحركة الصهيونية في روسيا عام 1881 تحت اسم “أحباب صهيون”، قبل ستة عشر عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897، وحينها اتهمت الحركة بالمسؤولية عن اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني لتكون فاتحة العمل الصهيوني وفاتحة العداء لها ولأعمالها السرية الإجرامية، ثم تجلى العداء للحركة الصهيونية بشكل أوضح مع نشر “بروتوكولات حكماء صهيون” عام 1903. وعلى الرغم من كل ذلك العداء، قدم الاتحاد السوفييتي السابق الدعم للكيان الصهيوني في أماكن عديدة، إلا أن ذلك لم يمنع الكيان الاسرائيلي من الإسهام الكبير في إضعاف الاتحاد السوفييتي، وتحديداً في فترة الرئيس بوريس يلتسين، وهذا ما يدركه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيداً ووزير خارجيته سيرغي لافروف اللذين طفح بهما الكيل بعد الدور التخريبي الأخير للكيان الصهيوني في أوكرانيا، وقبلها في جورجيا عام 2008، وفي أوكرانيا أيضاً عام 2014، بالاشتراك مع الأميركيين والبريطانيين.
كان من الطبيعي أن تتعاطى روسيا مع الكيان الإسرائيلي من مبدأ الاحتواء لأسباب سياسية واستراتيجية، لكن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تكشفت حقيقة موقف الكيان الصهيوني المتورط بشكل كبير في دعم نظام كييف برئاسة زيلنيسكي ومعه عشرة وزراء يحمل أغلبهم الجنسية “الإسرائيلية”، إلى جانب جنسيتهم الأم، هذا إضافة إلى انتقال “إسرائيليين” من أصل أوكراني للقتال مع المجموعات النازية ضد روسيا، في تناقض صارخ حيث يدعمون فعلياً مجموعات تتبنى فكراً نازياً يحمّلونه المسؤولية عمّا يسمى “الهولوكوست”.
هذا التحول الكبير الذي فرضته الحرب في أوكرانيا جاء بعد أن بدأت رياح التغيير تضغط على مواقــــف الأطراف الإقليميّة، فالولايات المتحدة لم تعد تقبل حياد الكيان الإسرائيلي في هذه الحرب، وبالفعل بدأت تظهر علامات التموضع الإسرائيلي في الحرب الأوكرانية ضد روسيا. يذكر أن أوكرانيا – معقل الحركة الصهيونية – كانت مرشحة من ضمن لائحة ضمّت فلسطين والأرجنتين لتكون أرض الميعاد الصهيونية، حيث كانت مملكة الخزر إحدى الممالك اليهودية عبر التاريخ. لذلك إن الموقف الروسي الذي عبّر عنه لافروف عن دماء أدولف هتلر اليهوديّة، لم يكن مجرد اقتباس تاريخي لمواجهة مزاعم زيلنسكي، بل هي حقيقة عقائدية عميقة لا يمكن أن يسردها لافروف في حال انفعال أو تعبيراً عن غضب.