وجاهة ومحسوبية..!.
غسان فطوم
يا لها من مفارقة عجيبة عندما يتحدث المعنيون عن أهمية البحث العلمي التطبيقي وضرورة استثماره في إعادة الإعمار، لكنهم يتجاهلون بذات الوقت وجود مئات الأبحاث النوعية ذات الجدوى موضوعة على الرف أو في الأدراج المغلقة منذ سنوات طويلة دون استثمار!.
للأسف لغاية اليوم لم ننجح كما يجب في التعامل مع البحث العلمي وتوظيفه في عملية التنمية، ليبقى مجرد وسيلة يلجأ إليها الباحث للحصول على ترقية علمية في الجامعة تزيد من سنوات عمره الوظيفي عندما يصبح في مرتبة أستاذ، علماً أنه لدينا أكثر من عشرين مركز بحثي يما فيها الجامعات كلها عجزت عن ربط النظري بالعملي لتبقى الفجوة قائمة!
للتذكير عندما أحدثت الهيئة العليا للبحث العلمي وصل مؤشر التفاؤل إلى القمة قياساً بأهداف إحداثها كداعم وحاضن لتفعيل البحث التطبيقي وتحفيز الباحثين المصابين بالإحباط بعدما فقدوا الأمل بإنعاش “الجسد البحثي” – إن جاز الوصف – الذي كان بحالة موت سريري وما زال في العديد من المجالات، بالرغم من الكلام الذي نسمعه عن دعم البحث العلمي كإحداث صندوق خاص به وزيادة التعويضات والمكافآت، لكنها بنظر العديد من الباحثين لا تساوي قيمتها ثمن كيلو لحمة هذه الأيام علماً أنه تم مؤخراً إصدار قرار برفع التعويضات لكنه بنظر العديد من الأساتذة لم يكن بمستوى الطموح مما أصاب الغالبية بالكسل البحثي رغم أن عدد لا بأس به منهم لديه شغف بالبحث لكنه أصيب بخيبة أمل خاصة وأن الأنظمة الحالية لا تفرق بين باحث مجتهد وآخر غير مبالي، فكلاهما يحصل على نفس تعويض التفرغ العلمي، مما يجعل الباحث المبدع يسأل نفسه: لماذا التعب طالما تعويضاتي مسقوفة؟!
هذا الشعور بالغبن جعل روح البحث مفقودة عند غالبية المشتغلين فيه سواء في الجامعات أو المراكز البحثية الأخرى، حتى أن غالبيتهم باتت تهمّه المنفعة المادية أكثر من المنفعة العلمية في حال تم إيفاده لدورة تدريبية أو إطلاعية خارج البلد، وبهذا الخصوص كثيراً ما يشكو الباحثون من أن الذين يوفدون قد يكون بعضهم لا علاقة له بالبحث العلمي، لتضيع الفرصة على من يستحقها!.
بالمختصر، حان الوقت لأن نمتلك الجرأة والشفافية ونعترف بهفواتنا البحثية وذلك أفضل بكثير من التغاضي عن الأخطاء التي ترتكب بحق البحث الذي نستعرض انجازاته الورقية في كل مناسبة لنقول “نحنا عم نشتغل” فإن بقي الحال على وضعه (وجاهة ومحسوبية) فلا غرابة أن يحدث الفراغ في العديد من الكليات الجامعية عندما تحزم الكفاءات حقائبها وترحل!. gassanazf@gmail.com