التقرير الاقتصادي للنقابات العمالية يؤكد على ثوابت الحماية الاجتماعية !.. مطالب عمالية بإصلاح القطاع العام الصناعي بجدية والتمسك به ليبقى القائد لقاطرة النمو
دمشق – بشير فرزان
بيّن التقرير الاقتصادي للاتحاد العام لنقابات العمال أن الحصار والعقوبات الاقتصادية الجائرة أضرا بقطاعات المال والتجارة الخارجية والنقل والنفط والصناعة التحويلية، مما تسبب -إضافةً إلى الآثار السلبية على الميزان التجاري وميزان المدفوعات وقيمة العملة الوطنية-بمزيد من الصعوبات في مجال استيراد السلع الأساسية والضرورية بما في ذلك ارتفاع تكاليف الشحن ورسوم التأمين ونسب العمولات وتكاليف تحويل الأموال خاصة أن الحرب أفرزت آثاراً سلبية مباشرة وغير مباشرة(منها الموضوعي ومنها غير المبرر)على مفاصل الاقتصاد والمجتمع السوري، وخاصة في ظل تسارع الأحداث وتَداخُل (بل تَدَخّل) العوامل الخارجية بالعوامل الداخلية والسياسية بالاقتصادية بالأمنية حيث كانت هذه الظروف أشد وطأةً على الجانب الاجتماعي من خلال تراجع مستوى معيشة المواطن بعد أن اضمحلت القيمة الشرائية للعملة الوطنية وخاصةُ لطبقة العمال والكادحين وأصحاب الدخل المحدود ومنخفضي الدخل والعاطلين عن العمل.
وأشار التقرير إلى أنه نتيجة الحرب القذرة وحصار اقتصادي بعد الإرهاب والتدمير والتخريب وسرقة خيرات ونفط سورية تستهدف لقمة عيش وأمان المواطن السوري تحت عناوين وادعاءات حقوق الإنسان وشعارات مزيفة ومتوحشة في استعباد الشعوب إضافة لذلك جاءت أزمات أخرى زادت المعاناة المعيشية على المواطنين جراء جائحة كورونا والحرب الأوكرانية وهذه الأزمات المأساوية التي تشهدها سورية أخذت تعصف بالمواطن السوري الذي يسعى بكل ما اوتي من قوة إلى تأمين احتياجات عائلته وأطفاله والى مقاومة الحصار والوضع الاقتصادي المتردي من جهة أخرى كماخلقت فجوة كبيرة بين دخل الفرد وإنفاقه.
وأدت هذه الفجوة إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية (فقر -فساد – قتل – سرقة – خطف – تسوّل – عمالة أطفال … وغيرها) الأمر الذي يشكل تحدياً جوهرياً أمام الحكومة في عملية الإصلاح الاجتماعي، الذي ستكون تكلفته أعلى بأضعاف مضاعفة أمام تكلفة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في يومنا هذا.
وكشف التقرير أنه انطلاقاً من رؤية الاتحاد العام لنقابات العمال فإن هذا الواقع يحتاج إلى معالجةعلى مستويين إثنين: الأول –إسعافي،يتمثل بزيادة الرواتب والأجور بالارتباط مع زيادة الإنتاجية من خلال زيادة في الرواتب والأجور بمعدل (100 %) من الراتب الشهري المقطوع و رفع الحد الأدنى المعفى من ضريبة الرواتب والأجور إلى (100000) ألف ليرة سورية وتعديل التعويض العائلي من مبالغ ثابتة إلى نسب من الراتب المقطوع وفق الآتي: 15 % لزوجة واحدة – 10 % للولد الأول – 8 % للولد الثاني – 5 % للولد الثالث والرابع وتعديل التعويضات الثابتة والصادرة بناءً على قرارات وزارة المالية بما يتناسب مع الوضع الحالي (تعويض المسؤولية – تعويض التمثيل – تعويض مجالس الإدارات ……) وربطها بالراتب أو الأجر الشهري المقطوع بتاريخ أداء العمل و إعادة النظر في أسعار الأدوية نظراً لارتفاعها بشكل كبير ووجود أكثر من سعر للدواء نتيجة عدم المراقبة من الجهات المختصة وتأمين الأدوية الضرورية ووضع حد لعربدة أصحاب مصانع الدواء بسبب تعنتهم عن رفد السوق بالأدوية المطلوبة رغم رفع الأسعار مرات متعددة وإعادة النظر بقيمة أقساط السكن العمالي كونها تفوق استطاعة العامل والأخذ باقتراحات اللجنة المشكلة لهذا الموضوع في وزارة الأشغال العامة والإسكان وضبط أسعار السلع والخدمات كونها تتضمن هوامش ربح مبالغ فيها، وذلك بالتنسيق بين كافة الجهات المعنية بذلك والعودة الى سياسة التسعير الجبري في ظل الظروف الحالية باعتبار ان كل الإجراءات الهادفة إلى ضبط الأسواق لم تعطي أي نتيجة و ممارسة مؤسسات التدخل الإيجابي لدورها الذي أحدثت من أجله، وذلك بشراء المنتجات الزراعية من المزارع مباشرة بسعر يضمن له تغطية تكاليف الإنتاج الزراعي وتحقيق دخل مناسب للمزارع، وتسويق هذه المنتجات بهامش ربح مناسب لهذه المؤسسات وبشكل عام تنشيط تجارة التجزئة الحكومية والتعاونية، ووضع سياسة سعرية صارمة لضبط السوق الداخلية بشكل فعال و معالجة كافة المشاكل المتعلقة بموضوع الضمان الصحي (تسعيرة الأطباء – تسعيرة العمليات الجراحية – تسعيرة أجور خدمات المشافي – دور شركات التأمين الصحي) وتقديم الدعم العاجل والفوري للمؤسسات العامة، وخاصة الصناعية والإنتاجية، وتلك العاملة في مجال التجارتين الداخلية والخارجية لتمكينها من ممارسة مهامها ولو بالحدود الممكنة و إيجاد حلول مستدامة لمسألة ندرة المشتقات النفطية من خلال مشاركة القطاع الخاص باستيرادها للمساهمة في دوران عجلة الإنتاج وكل ما يتعلق بحياة المواطن من خلال توفير المادة.
ومعالجة مشكلة احتكار القلة لأسواق أهم المواد والسلع الأساسية والغذائية والعلفية ومواد البناء، وتشديد الرقابة على الأسعار في الأسواق، بما في ذلك أقساط التعليم الخاص والمعاينات والمعالجات الطبية، والأدوية. ولجم ممارسات الفساد التي راحت تتسع مستغلة ظروف الأزمة إلى جانب التأكيد على ثوابت الحماية الاجتماعية واستمرار تقديم القطاعات الاجتماعية لخدماتها في مجال التعليم والصحة والخدمات العامة بأسعار رمزية لا تعكس التكلفة الفعلية للخدمة وهذا مبدأ مهم تجاه تعهد الدولة بالشأن الاجتماعي وبالأخص فيما يتعلق بموضوع التعليم والصحة على وجه الخصوص وباقي الخدمات الاجتماعية على وجه العموم. وتوسيع الإحاطة لقانون الضمان الاجتماعي ليشمل الفئات الاجتماعية المختلفة والمهن الهامشية في القطاع الاقتصادي غير المنظم.
وأشار التقرير إلى المعالجة على المستوى القصير ومتوسط الأجل من خلال (زيادة الإنتاج والتشغيل) عبرإنشاء مناطق تجمع صناعات صغيرة ومتناهية الصغر (حرفية) مجهزة ببنية تحتية جيدة (ماء – كهرباء – خدمات أخرى) قريبة من مركز مدينة كل محافظة آمنة، ودعوة أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للعمل فيها لقاء أجور رمزية لمدة (3) ثلاث سنوات، ويعاد النظر بها بعد ذلك، وعلى أن يكون لهذه التجمعات أنظمة مالية وإدارية خاصة وبسيطة تشجع على مساهمتها الفاعلة في زيادة الإنتاج من خلال منح القروض التشغيلية لمنشآت الصناعات الزراعية وخاصة متناهية الصغر (بفوائد مدعومة) ودعم أسعار الطاقة المستخدمة بالمنشآت الزراعية والحرفية والنقل العام والمكنات والمعدات الزراعية، وهذا من شأنه تخفيض تكاليف النقل والإنتاج ورصد الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء صناعات الأدوات والمعدات والآليات الزراعية، ولإنشاء معمل عصائرأو أكثر في المنطقة الساحلية، وكذلك إنشاء الصناعات الغذائية بمختلف أنواعها، وبالأخص الألبان والأجبان والتغليف والتعليب، ولإنشاء صناعات الطاقات المتجددة (أجهزة سخان شمسي – لواقط كهروضوئية – عنفات ريحية …) كونها ستخفض بشكل جوهري من فاتورة استيراد المشتقات النفطية وحصر تأمين احتياجات الجهات العامة والشركات العامة بمنتجات شركات ومعامل القطاع العام الإنتاجي، بهدف تحقيق التكامل فيما بينها، بحيث تكون مدخلات إحدى الشركات هي من مخرجات شركة أخرى لغاية تخفيض عبء تمويل مستوردات هذا القطاع من القطع الأجنبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بما يسهم في تحقيق قيمة مضافة أعلى تنعكس على الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المعالجات التي تضمنها التقرير النظر إلى موضوع إصلاح القطاع العام الصناعي بجدية والتمسك به ليبقى القائد لقاطرة النمو وحل المشكلات التي تقف أمام ما تبقى من مؤسساته وتحول دون تحقيق إنتاجها بالطاقة المرجوة من خلال تأمين مستلزمات العملية الإنتاجية بأسعار مناسبة من مواد أولية وقطع تبديلية لازمة لصيانة خطوط الإنتاج والحد من ارتفاع أسعار المحروقات لأنه يؤثر في كلفة المنتج والحد من انقطاع التيار الكهربائي لأنه ينعكس سلباً على تشغيل الخطوط الإنتاجية بالشكل الأمثل.
وطالب التقرير بإصلاح القوانين المرتبطة بعمل القطاع العام والخاص سواء القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، أو نظام العقود الموحد الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004.القانون17 و القانون 92 وبتوجيه الجهات الرقابية للتدقيق في كفاءة الإنفاق العام (رقابة الأداء – رقابة فعالية استخدام الليرة السورية الواحدة) في كافة الجهات العامة، وعدم الاكتفاء برقابة مشروعية النفقة وتخصيص أراض للبناء في كافة المحافظات الآمنة للمؤسسة العامة للإسكان، ودعم القطاع الإنشائي للمساهمة في الحد من ارتفاع أسعار السكن والإيجار من ناحية، ومن ناحية أخرى تأمين فرص عمل جديدة وتنشيط حوالي (70) مهنة مرتبطة بهذا القطاع وتعزيزمشاركة القطاع الخاص والمشترك في عملية إعادة إعمار المناطق المدمرة التي خرج منها الإرهاب، من خلال تعديل ضابطة البناء والمخططات التنظيمية بهدف منح حيز إضافي من البناء للشركات التي ستقوم بذلك لقاء إعمار المساكن والمدارس والمستوصفات والحدائق مقابل هذا الحيز الإضافي.
واقترح التقرير لتأمين التمويل اللازم العمل على استقرار قيمة العملة الوطنية، التي تتطلب من المصرف المركزي التدخل الإيجابي بشكل أكثر فعالية من خلال خطة نقدية شاملة، مستقرة وشفافة، قصيرة ومتوسطة الأجل،مع الاهتمام بتفعيل عمل ونشاط القطاع المالي والمصرفي في إطار الدعم المالي التشغيلي العاجل والفوري للأنشطة والمؤسسات الإنتاجية السلعية، وخاصة المتضررة من الأحداث، بهدف إعادة إقلاع عجلة الإنتاج أو زيادته لتوفير السلع الغذائية والضرورية وتأمين احتياجات المواطن من جهة، والتقليل من الاستيراد من الجهة أخرى، والتخفيف من الطلب على القطع الأجنبي لدعم استقرار قيمة العملة الوطنية ومعالجة الفاقد الضريبي لدى وزارة المالية وتسوية مخالفات البناء الحديثة والقديمة (القابلة فنياً للتسوية)، وبالأخص تلك التي انتشرت خلال سنوات الأزمة على نطاق واسع، وخاصةً في كافة المناطق وحصر أملاك الدولة والأملاك العامة وإعادة النظر في آليات استثمارها أو المشاركة فيها كونها تحقق عوائد مالية ضخمة جداً ودعم التصدير وفرض رسوم جمركية مرتفعة على المستوردات من سلع الاستهلاك الترفي والكمالي والإسراع في تطبيق نظام الفوترة بهدف ضبط التكاليف وربطها بالأسعار من ناحية، وبهدف زيادة الحصيلة الضريبية من ناحية أخرى.
وبالنسبة لتحسين الوضع المعيشي طالب التقرير بإعادة النظر في إجراءات توجيه الدعم لمستحقيه والذي خلق إشكالات نتيجة عدم جهوزية البيانات المستند إليها في بعض الجهات العامة وضرورة التدقيق في الآليات المستخدمة إضافة إلى استفادة العاملين في القطاعين العام والخاص من الوفر الذي يتحقق من إلغاء الدعم للفئات التي تم إقرارها اصولاً و زيادة الرواتب والأجور لكافة العاملين بأجر لتضييق الفجوة الكبيرة بين الأجر والإنفاق و فتح سقف الراتب لإفادة العاملين من الترفيعات الدورية و إعفاء كامل الرواتب والأجور من ضريبة الدخل باعتبار أن كامل الدخل لا يغطي الحد الأدنى الفعلي لنفقات المعيشة.
وبيّن التقرير أن الأخذ بيد هذا الشعب وتدعيم صموده يستدعــي نهجـــــاً حكومياً مغايراً للنهج الراهن الذي يلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل المواطن السوري. ولا بد من الضرب بيد من حديد على تجار الأزمات الذين لا يقلون خطورة عن الإرهاب تماماً ولابد من محاربة الفساد الذي يتفشى بصورة خطيرة ويستنزف الإمكانيات الوطنية .
واكد على ضرورة العمل من اعتبار الإنسان بحد ذاته هو (البوصلة) وهو (الهدف النهائي) لأي عملية تنمية لأنه لا يمكن أن يزدهر أي مجتمع ما لم يستطع أن يحقق لأفراده التنمية والإزهار والحياة الكريمة التي تليق بالكرامة الإنسانية.