عماد أي عمل وأملٍ وإعمار!
قسيم دحدل
رغم أن فيه مواد جيدة تخدم العملية الاستثمارية، وإعلاء يد أرباب العمل في علاقتهم مع العاملين في منشآتهم، حيث ساهمت “المرحلة الدردرية” التي صدر فيها بذلك، بمبرر جذب رؤوس الأموال والاستثمار الخارجي، لكن قانون العمل رقم 17 الصادر في نيسان 2010، الذي وجد لضبط علاقات العمل بين العامل ورب العمل في القطاع الخاص، والشركات العربية الاتحادية والأجنبية، والقطاع التعاوني، والقطاع المشترك غير المشمول بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة، لم يخل من منغصات “عمالية” لاتزال قائمة رغم تعديل نحو 26 مادة من مواده.
اليوم وبعد أن أُحيل القانون مؤخراً إلى مجلس الشعب لمناقشته ودراسته، وجب التأكيد أولاً على اختلاف المرحلة والظروف نتيجة للمتغيرات الكبيرة، والأثر السلبي على واقع العمل عامة في القطاع الخاص، وبالتالي تفلت هذه العلاقة من عقالها نتيجة لتداعيات الأزمة التي مرت بها سورية.
ولأن اختلاف الظروف يتطلب التغيير وفقاً للواقع المستجد، ومستلزمات العمل، واستراتيجية العلاقة بين أطراف القانون، خدمة للعملية الإنتاجية وتطورها، نؤكد أيضاً على إعلاء حقوق العمال، لتتوازن العلاقة بين الأطراف التي شملها القانون، وتحديداً علاقة العامل برب العمل وبالعكس من منطلق عدم تغليب مصالح هذا الطرف على حساب الطرف الآخر للحد الذي يهدد الأمان المعيشي والاجتماعي وبالتالي الاقتصادي.
لا يجب أن يصل جميع أطراف العلاقة الإنتاجية نتيجة الحوار الاجتماعي والاقتصادي المستمر طيلة السنوات الماضية إلى صيغة توافقية حول التعديلات، بل إلى صيغة واضحة وصحيحة مستندة إلى النفعية المتبادلة من منطلق أهمية كل طرف حيث لا يمكن أن يكون هناك إنتاج وتطور وإبداع وازدهار استثماري واقتصادي دون عامل وقوة عمل وحقوق مشروعة يتقاسمها العمال وأرباب العمل بشكل مضمون وعادل.
لعل هذا المضمون الذي من الواجب أن يحوي، على سبيل المثال لا الحصر، العمل على إلغاء العقد شريعة المتعاقدين، أو ما أطلق عليه آنذاك “العقد التأشيري”، ولقي حينها ترحيباً كبيراً من أرباب العمل، وكذلك العمل على تسجيل أي عامل في التأمينات الاجتماعية (لايزال هذا الأمر مرفوضاً من قبل أرباب العمل بقوة، وهناك آلاف العمال لا يزالون غير مسجلين في هذه الشبكة التأمينية، وبالتالي يخسرون حقوقهم ومستحقاتهم عند أي خلاف قد يحدث بين طرفي العقد الذي طالما كانت نتيجته لصالح أرباب العمل!)، وغير ذلك من التفاصيل التي تطرأ على التوازن الحقوقي في علاقات العمل، ما يشكّل رافعة مهمة للعمل بما يصون حقوق العمال وأصحاب العمل، ويسهم في حل المشكلات العالقة، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني، مع مراعاة الظروف الموضوعية التي يمر بها الوطن.
هل يقبل أحد أن عاملاً يجد نفسه مسرحاً دون علمه ودون سبب، علماً أن هذا العامل في وقت سابق تعرّض لإصابة عمل جعلت بجسده عاهة دائمة، ومع ذلك كانت مكافأته عليها عدم تسجيلها، وبالتالي خسارته لحقوق مكتسبة نسفها رب العمل بلحظة حاجة العامل للعمل، ليجد ذاك العمل نفسه مسرحاً، هذا ما حدث ويحدث، وعليه نهيب بأعضاء مجلس الشعب ممن ستقع عليهم مهمة ومسؤولية مناقشة القانون، أخذ تلك الأساسيات التفصيلية بكثير من الحق والحسبان حين يوقعون على إقرار الصيغة النهائية للقانون الذي طالت سنوات هضمه لحقوق العمال، ويجب أن يكون نصب أعينهم أن إعادة الإعمار تبدأ أولاً ببناء الإنسان العامل وتمكينه من كامل حقوقه التي تضمن حياة كريمة، وتأميناً معيشياً واجتماعياً واقتصادياً، وهذا هو عماد أي قانون عمل وأمل وإعمار.
Qassim1965@gmail.com