التعاضد مع الشباب
بشير فرزان
أحرجت قضية تشغيل الشباب، ومنحهم الفرصة الاستثمارية المناسبة لطاقاتهم، جميع الحكومات المتعاقبة، وكانت المأزق والتحدي الذي أطاح بالخطط التنموية، مخلفاً عشرات التساؤلات حول إستراتيجية الحكومة بهذا الشأن، وخاصة ما يتعلّق بالرؤى والأفكار والخطط ومشاريع العمل الشبابية والتصريحات التي لا تنضب بوعودها المنسية وقراراتها القائمة على أنقاض أحلام شبابية ضائعة، أو حبيسة خيار الهجرة خارج الحدود!
وبالأمس، كان هناك حدثان مهمان على صعيد الحياة الشبابية: أولهما مشاركة السيد الرئيس بشار الأسد في الحوارات المنعقدة ضمن فعاليات المؤتمر الأول لصندوق التعاضد الاجتماعي والتنمية الذي انطلق تحت عنوان “تفعيل دور الشباب في العمل التنموي”، والذي يكرس أيضاً حقيقة الدور الشبابي في البناء والتنمية كأساس وكقوة فاعلة في نهضة المجتمع بعد معاناة الحرب وويلاتها، والحدث الثاني تمثل بوداع قافلة من الشهداء الشباب من أبطال الجيش العربي السوري، والذين يمثلون الواقع الشبابي خلال سنوات الحرب بكل ما فيه من معاني التضحية والشموخ التي جسّدتها دماء الشباب السوري الذي كان وما زال صمام الأمان، وأثبت حباً حقيقياً وصادقاً لوطنه بأفعال وأعمال ترجمها دوره الكبير في الدفاع عن بلده، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار على جميع الجبهات.
ولا شكّ أن كلا الحدثين يؤكدان أن المرحلة الآن باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في خارطة الفرص الشبابية، وتوسيع مدار استهدافها، وإطلاق إستراتيجية تنموية شبابية تعتمد منهج عمل واضحاً وبشكل ينتشل الشباب من خيارات ملاحقة الأحلام خلف البحار.
ومع التمسّك بالأمل وبالعمل الشبابي، تتعالى الأصوات الشبابية التي تطالب بأهداف وخطة تنفيذية محدّدة الزمن والخطوات، خاصة وأن أي وعود لا تقترن ببرامج عمل تنفيذية ما هي إلا مناورة غير ناجحة، ودوران في حلقات التشخيص التي لم تؤتِ ثمارها حتى الآن، فالواقع الشبابي ما زال مأزوماً رغم الحديث المتكرّر عن محاولات عديدة، سواء في ميادين المعالجات أو الاستثمار الفعلي لطاقاتهم، وإلى هذه اللحظة لم يتمّ توجيه السياسات والبرامج القادرة على تفعيل وتطوير صفات الإبداع والتجديد والابتكار الخلاق، وبشكل يسهم في تطوير وتنمية الشباب والتعامل مع قضاياهم من منظور مركب وشامل، أي أن يتحمّل المجتمع بكافة فعالياته وأركانه مسؤولية تحسين ظروفهم. والسؤال هنا: هل وُضعت إستراتيجية لدورات تدريبية حقيقية تصقل مهارات الشباب وتحدّد مسارات طاقاتهم؟ وهل أُخذت بعين الاعتبار زيادة حصة الإنفاق على إنشاء المؤسّسات التدريبية والتأهيلية الشبابية بمختلف أنواعها؟
ونسألُ أيضاً: لمن ستكون الأسبقية في إيجاد إستراتيجية وطنية شاملة تتبنى المطالب الشبابية، وتعمل على حلّ مشكلاتهم وفق برنامج زمني واضح، بحيث يتمّ الدفع بالأفكار إلى ساحة التنفيذ دون تباطؤ، فالواقع الشبابي نراه اليوم في أدق مراحله المكتنزة بالمخاطر والتغييرات التي تنبئ بخسائر كبيرة في حال استمرار حالة اللامبالاة، واعتماد نهج الفرص المحدودة أمام القلة من الشباب؟
وطبعاً، ليس من باب الانتقاد لعمل الجهات المعنية بالشباب، بل من باب النصيحة نقترح لتحقيق خطوات متقدمة على صعيد تفعيل دور الشباب في قيادة الدولة وضمن الإستراتيجية الشبابية، الإسراع في إنجاز مشروع وطني لتأهيل العمالة الشابة بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل في المراحل القادمة، إلى جانب تفعيل أدوات الضمان الاجتماعي لأفراد قوة العمل الشابة، وخاصة العاطلين عن العمل منهم. ويأتي في مقدمة ذلك تقديم المزيد من الدعم للخطوات التي تتمّ في مسار (المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر) للوصول إلى غاياتها، وإشراك منظمات المجتمع كافة، ولاسيما اتحاد الطلبة واتحاد العمال والشبيبة ونقابات المهندسين وغرف التجارة والصناعة في هذا المشروع الذي يضمن بقاء هذه القوة الشابة التي لم تُستثمر بعد رغم ضجيج الخطابات، وهدير أولوياتها المغيّبة من جداول أعمال الوزارات والمنظمات!!.
