الجمال الداخلي بالفرنسية في مسرحية “الحسناء والوحش”
حلب – غالية خوجة
كيف ولماذا يقدّم الطلاب الشباب الأعمال المسرحية بلغة غير لغتهم الأم؟ وهل يجيدون الأداء اللفظي وانعكاس المشاعر والأفكار والملامح التعبيرية الملائمة للمعنى والحدث والشخصية؟.
أسئلة متعدّدة تخطر على بال المشاهد والمتلقي وهو يتابع مسرحية “الحسناء والوحش” باللغة الفرنسية على مسرح دار الكتب الوطنية، والتي قدّمتها مديرية التربية بحلب ضمن مهرجان فسيفساء سورية للغات والفنون، وشاركت فيها كلّ من مدرسة الكلمة الخاصة وثانوية الباسل للمتفوقين.
تمتّع العرض بتفاعل واضح بين الطلاب الممثلين وأحاسيس اللغة وتعابيرها، وبين الحدث والحوار والحالة النفسية، وهم (ملك بطوش، أنطوني كحالة، يونان قس إلياس، ميرا فرواتي، سارة الكردي، حسني بابللي، جوزيف كحالة)، وأجادوا الأداء والأدوار لولا القليل من البطء في بعض الحركات التعبيرية والراقصة، إلاّ أنهم قدموا عرضاً مشوقاً وجذاباً اعتمد فيه المخرج حكمت نادر عقاد على اللوحات المشهدية المتسارعة بين حدث وحدث، موظفاً عناصر المسرحية المتنوعة بكثافة ومنها طاقات الشباب، كما وظف الشاشة الإلكترونية لعرض بعض المشاهد الخارجية والنفسية والزمنية، إضافة إلى السينوغرافيا المناسبة بين ديكور وإضاءة وملابس وأثاث وموسيقا.
وانعكست هذه الفنيات الإخراجية على العمل بتسلسلية أحداثه بين الأب وبناته وطموحاتهن بالثروة والمجوهرات، ما عدا ابنته “بل” التي طلبت وردة فقط، إلاّ أن الأب يخسر ثروته ولا يجد حلاً سوى بأن تعيش إحدى بناته مع الوحش، وتكون “بل” هي تلك الفتاة المضحية، التي تخاف من الوحش أول مرة تراه فيها، لكنها تكتشف طيبته وتعامله الإنساني معها، فتنجذب إليه، وتطمئن له، ويؤكد لها تعامله الراقي عندما ترى في المرآة السحرية أباها المريض، فتصاب بالألم النفسي والمرض وتشرف على الهلاك، مما يجعل الوحش يتعاطف معها، ويسمح لها بالذهاب إليه، ويعطيها بعض الأدوات السحرية لكي تعود إذا شاءت.
وبين مشهد صامت، ومشهد درامي، ومشهد من الحب البريء، تتحرك الدراما، ويظلّ الوحش وحيداً حزيناً يتحدث “مونولوجياً” مع نفسه، ثم يغني بألم، منتظراً عودة “بل”، لكنه يمرض ويتمدّد على الأريكة ويقترب من الموت، وفي هذه اللحظة، ترى “بل” حالته في المرآة، فتلبس القفاز السحري لتعود مسرعة إليه، لكنه لا يتحرك، فتبكي بصدق وحب، حينها، ينكشف السحر عن الوحش، ويرجع إلى مظهره الإنساني بهيئة الأمير، وتنتهي المسرحية بالتأكيد على الجمال الداخلي والروحي لا الجمال الشكلي، وينتهي السيناريو الذي أعدّته منى نصرة، التي شاركت هيفاء استانبولي في التدريب والمتابعة، وينتهي العرض بالفرح وتحقيق الحلم الذي شارك فيه فريق عمل، منهم المشرفة الموجهة الاختصاصية ناديا الترك، كلّ من مساعد المخرج: عبيدة صادق وفاطمة جاروخ، ومدربة الرقص ريتا بصمه جيان.
هذا العمل، خصوصاً، بعد الحرب الإرهابية، يثبت أن الاستمرارية الناجحة هي الهدف الذي تحدّى الظروف، وواصل حضوره بفسيفسائية جمالية بين اللغات والفنون. وعلى اعتبار أن الكثيرين لا يجيدون الفرنسية، لا بد من التساؤل: لماذا لم يرافق العرض ترجمة باللغة العربية على الشاشة؟ لكننا نأمل ذلك في العروض القادمة، كما نأمل ألا يتوقف الطلاب المشاركون في التمثيل عن أدائهم المسرحي بالفرنسية عندما يصبحون في الجامعة، وهذا ما التفتّ إليه بعد دردشة مع الطالبة الجامعية كريستا أزرق عندما كانت تمثل في الثانوية، مؤكدة أنها كانت تجربة جميلة ومختلفة. وأقترح أن تكون هناك مسرحيات طلابية بلغات أخرى مثل الإنكليزية والروسية مستقبلاً، لأنّ ما حضرته كان جميلاً ومختلفاً، ولا أعلم إمكانية مشاركته خارج القطر أيضاً، لأن التجربة تستحق الوصول إلى العالم العربي والأجنبي، ولاسيما بلد اللغة الثانية وهي، هنا، فرنسا.