معرض حمود شنتوت.. الضوء الملون بالحب
افتُتح مساء أمس الأحد في صالة كامل للفنون الجميلة بدمشق معرض الفنان السوري حمود شنتوت بعنوان “من دمشق إلى باريس”، متضمناً عدداً من الأعمال المتنوعة القياسات التي عالجت مواضيع متقاربة فيما بينها، وتشترك في مشهد يعيشه الفنان من مكان إقامته في جنوب فرنسا وبالتحديد في “كريتاي”، حيث تتوارى العمائر بالأشجار العالية والمدى المتداخل مع البحيرة، وصولاً إلى سماء باردة الزرقة وحيادية لا تعتني بعواطف المتأملين هنا. كما تتوزّع في جوانب المعرض بعض اللوحات التي تعود لمعالم دينية شرقية أو أماكن بأسماء تاريخية تميّزها مجموعة من القباب أو الأبواب المقنطرة والجدران العالية تتوشى بسطوح إضاءة تتفاوت بين جانب وآخر حسب درجة استقبال شعاع الضوء وملمس السطح، كما تتوزع بقع من الضوء وبكثافة قد تصل إلى حدود المبالغة، وهو ما يمنح لوحة حمود شنتوت صفة الاستعراض والتأليف في هذا الجانب التقني.
وفي لقاء مع الفنان قبل المعرض بأيام، ورداً على سؤال حول الفارق بين الضوء واللون الأصفر، أكد شنتوت أن اللون الأصفر هو الضوء ذاته، وفي يقين كل فنان، تعريفاً أو ربطاً، مختلف بين الضوء وأي درجة من درجات اللون. إلا أننا نعرف حساسية هذا الفنان تجاه المسافة الفاصلة بين العتمة الملونة والضوء، وهذا ما جعله ذات يوم من أبرع الرسامين السوريين الشباب الذين حصدوا النجاح في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، تلك المرحلة التي يسميها شنتوت مرحلة ازدهار سوق الفن التشكيلي، والتي امتدت حتى بداية الألفية.
ومن الجدير ذكره أن الفنان شنتوت من أكثر الأسماء التشكيلية آنذاك نجاحاً على صعيد التسويق وأغزرها إنتاجاً، ويعود ذلك لموهبته أولاً، وتوفر ظروف تتعلق بالمقتني وتحسّن الحالة الاقتصادية عموماً، وبالفعل قلّما تنتهي أيام المعرض لبعض الفنانين دون ترويج وبيع معظم أعمالهم، وقد ينسحب هذا على معظم صالات العرض الخاصة التي نشّطت الحياة التشكيلية وأيقظت حسّ الاستثمار في الفن كمصدر ربح ثقافي وفني، ما جعل هذه السوق أكثر حيوية ومشاركة في اللوحة والمنحوتة وقد تفرض متطلبات جديدة لها. وهنا لا نغفل دور بعض أصحاب الصالات والقائمين على إدارتها في توجيه دفة إنتاج بعض الفن التشكيلي السوري نحو “المقبول في السوق وتماشياً مع رغبة المقتني”، وهذا ما يمكن أن نسجّله كعلامة غير حميدة عن عافية الفن التشكيلي المزعومة آنذاك، حيث لم ينجُ إلا القلائل من أولئك الفنانين الذين يمتلكون تلك الخاصية من الموهبة التي جعلت منهم حالة ربط مبدعة بين جيل الأساتذة “فاتح المدرس، نصير شورى، ميلاد الشايب، نذير نبعة.. وغيرهم” عبوراً إلى الألفية الجديدة ومواجهة متطلبات الحداثة وضرورات المواكبة.
تتميّز لوحة حمود شنتوت بتقنية خاصة تعتمد على تحقيق حضور غنيّ ودسم في سطح اللوحة، وتقشف لوني لا يعترف بغنائية المصوّر الملوّن على حساب تحقيق أعلى منسوب لجملة التعبير البصري القائمة على الدهشة المحققة من حساسية الفنان لعنصر الضوء، وتجسيده لذلك من خلال إحداث مناخ فادح الفرق بين العتمة وسواها. ويؤكد الفنان أن لكل موضوع تقنية خاصة تناسبه، وما التقنية إلا حامل للموضوع. ويضيف الفنان تفصيلاً في أهمية بقية عناصر العمل الفني وصولاً إلى ما سمّاه “الإيقاع” الذي يوليه أهمية بالغة الدقة، حيث شرح لي خلال لقائي معه مثالاً عن ذلك لوحة الفنان ديلاكروا -الحرية تقود الشعوب- مفصلاً اتجاه كل عنصر وانسجامه مع بقية العناصر الأخرى في عالم متآلف ومنسجم سمّاه الإيقاع في اللوحة!.
يقول الفنان حول سيرته الطويلة، وردّاً على سؤال حول وجود مراحل في تجربته: “لا مراحل عندي.. بل مواضيع.. ويستطيع المتابع أن يلتقط مواضيع كثيرة تنتسب لي”.
وبدورنا لا نجد صعوبة في ملاحظة القاسم المشترك بين مواضيع هذا الفنان، ألا وهو البحث بمتعة في الطريقة الأكثر كفاءة لولادة اللوحة التي تنتسب لصاحبها وتكون سجلاً لجماليات يعيشها بلياقة وسلام، وما قدّمه شنتوت في هذا المعرض لم يكن إلا استكمالاً لسيرة طويلة تزهر وتثمر بكل جديد.
أكسم طلاع