نهى زيّود في معرضها الأوّل: الماندالا يجمع بين الهندسة والفنّ
يعدّ الماندالا فنّاً جديداً جدّاً على الحياة الفنية السّورية، ولاسيّما أنّنا تعرّفنا عليه من خلال رسومات جاهزة يقتنيها الأشخاص من المكتبات ويقومون بتلوينها فقط، طبعاً مع وجود محاولات فردية لتعلّم فنّ جديد للتّسلية أولّاً وإرضاءً للذّات ثانياً.
نهى زيّود مهندسة مدنية تخرّجت من جامعة تشرين بالمرتبة الثانية على دفعتها، وحاصلةٌ على شهادة الباسل للتّفوق الدّراسي مرّتين، بعد تخرّجها ومنذ سنتين تحديداً أحبّت تطوير موهبة الرّسم لديها كونها لم تتمكّن من ذلك خلال مرحلة الدّراسة. تقول: فنّ الماندالا بشكلٍ عام كان يلفت انتباهي مذ كنت طالبةً، في البداية كنت أرسم أشكالاً بسيطةً، وعندما شعرت أنّ أعداد محبّيه في ازدياد تشجّعت وأحببت تعلّمه من خلال الاطّلاع والتّعرّف عليه أكثر عبر الإنترنت، ولم أبدأ أبداً بتلوين الماندالا الجاهزة، يلفتني فيه التّعقيد والغنى بالتّفاصيل والأشكال والحاجة للمهارات الهندسيّة، وشعرت أنّي أتمتّع بالصّبر كفاية لكي أتعلّم فنّاً يحتاج للصّبر، وأنّي بحاجة لشيء مميّز يعطيني حافزاً وشغفاً أكبر، ولأن الفنّ جديد لا يوجد توصيف دقيق له، لكنّ بالنّسبة إليّ أنا أجمع بين الهندسة والفنّ، ولاسيّما أنّه فنّ يعتمد بشكلٍ أساسي على الدّائرة، مثله مثل أي منشأة تبدأ من نقطة، كذلك الماندالا يبدأ من نقطة أو كما نقول مركز الدّائرة، طبعاً هناك نماذج كثيرة مثل المربّع، لكنّ الدّائرة هي الأكثر شيوعاً وتعتمد أوّلاً على المركز ومن ثمّ على التّقسيمات، لذلك نحتاج أدوات هندسية بسيطة متل المنقلة المدرجة، حيث يتمّ رسم أشكالٍ هندسيةٍ متناسقةٍ ومنتظمةٍ بدءاً من المركز، وعادةً هذا النّوع من الرّسم لا حدود له، أي يمكننا أن نرسم إلى ما لا نهاية.
وتوضّح زيّود: وعلى الرّغم من أنّنا كفنانين نهدف لتحقيق المثالية بهذا الفنّ، لكنّنا نعطي ذواتنا المجال للإبداع باستخدام الخصائص الهندسية للأشكال، مع العلم أنّه ليس من الضّروري أن يكون من يرسم الماندالا مهندساً، لكن يبقى لدينا مرونة أكبر أو معلومات أكثر تساعدنا على تصميم أشكالٍ معقدةٍ أكثر من الأشكال التّقليدية.
وبالسّؤال عن الوقت الذي تتطلبّه لوحة الماندالا، تجيب زيّود: هذا يتعلّق بطبيعة كلّ فنّان ومهارته وأسلوبه، فقد يحبّ أن يجمع الماندالا مع أشكال أخرى، مثلاً أنا أدخلت الطّيور إلى لوحاتي، لكن يمكنني القول إنّ لوحة قياس 20*30 قد تستغرق أربعة أيّام بمتوسط ثماني ساعات عمل يومياً، أمّا لوحة 30*40 فيمكننا أن نضيف عليها عشر ساعات عمل، ولديّ لوحات استغرقت أكثر من عشرين يوماً هي لوحة المتر بمتر ولاسيّما اللوحات المرسومة نقطة نقطة، لأنّي أعمل على نمطين هما: الرّسم والتّنقيط.
وتبيّن زيّود الاختلاف بينهما، فتقول: الرّسم لا يقلّ جهداً عن التّنقيط، هناك لوحات معقّدة تستغرق وقتاً أطول من التّنقيط، كما يختلفان من حيث الأدوات، فالرّسم يحتاج أقلام رصاص وتحبير وألواناً خشبية وأقلام جل وأقلام هايلايت وغيرها، ويمكننا أن نستخدم الأكرليك للتّلوين، وأغلبية الرّسومات تحتاج لتخطيط أوّلي يعني أساسيات، فالأساسيات نوعاً ما توصلنا إلى المثالية المطلوبة قدر الإمكان، أمّا التّنقيط فنستخدم فيه الأكرليك فقط ويحتاج لتمرّن كبير من الفنّان على إعداد اللوحة قدر الإمكان من دون تخطيط، أي عليه الاعتماد على تركيزه ومهاراته، لأنّ من يرسم هذا النّوع يعرف أنّه بحاجة لدقّة تفوق دقّة المنقلة التي نشتريها من المكتبات، أي عليه الاعتماد على نظره وتركيزه الإنساني.
وتتابع زيّود: أحببت التّدرّب أكثر على الرّسم الجداري، مع العلم أنّي رسمت جداريتين بالألوان الزّيتية كنوعٍ من التّدريب، أحبّ أن أجرّب الرّسم على الخشب لأنّي جرّبت سابقاً الأحجار والفخار، ولاحظت في الهند أنّهم يزخرفون الطّاولات وخشبيات المنازل بالتّنقيط ولديهم تشكيل ماندالا بالحصى والرّمال ولديّ رغبة بتجربة هذه المجالات أيضاً.
يتميّز فنّ الماندالا بالبهجة والطّاقة وبجانب روحي تحدّثنا عنه زيّود: يرتبط فنّ الماندالا بجانبٍ روحاني، لذلك يستخدم البوذيون هذه الرّسومات للتّأمّل ويرتبط بجانبٍ فلسفي لاعتماده على الدّائرة والدّائرة تعبّر عن جوهر الوجود الإنساني من وجهة نظر فلسفية، ويرتبط أيضاً بطاقة الإنسان لكونها تتضمّن أشكالاً كثيرة، وكلّ شكل له دلالة في علم النّفس، مثلاً الدّائرة تدلّ على الاحتواء والمربّع يدلّ على التّنظيم، والشّكل السّداسي يدلّ على التّوازن، والنّجوم تدلّ على حبّ الظّهور، والألوان لها مدلولاتها، فالأبيض يدلّ على النّقاء، والأحمر على العاطفة والأصفر يدلّ على الدّفء والأسود على الحزن، أمّا كثرة الأشكال والألوان بهذا الفنّ فتؤثّر على نفسية الإنسان، والتّركيز فيها أثناء الرّسم يساعد على التّخلّص من الطّاقة السّلبية.
لا توفّر نهى زيّود جهداً في سبيل تطوير تجربتها في هذا المجال مهما كلّفها الأمر، فقد حملت لوحاتها من قريتها الدّالية في ريف جبلة إلى المركز الثّقافي العربي بـ”أبو رمانة” لتقيم في صالته معرضها الأوّل الذي لاقى استحساناً وقبولاً ودهشة ممن رأيناهم في المركز، تقول زيّود: لا أستطيع وصف سعادتي بآراء النّاس، فالرّسالة التي أردتها وصلتهم.
ارتفاع الأسعار أثّر على المواد المستخدمة في هذا الفنّ كما بقية مجالات الحياة، توضّح زيّود: أي مشروع يحتاج في البداية لرأس مال ودعم مادّي ومعنوي، ولاسيّما في المرحلة التي لم أكن أعمل فيها ولم يكن لديّ دخل، لكن الفضل هنا كان لأسرتي في دعمي الكبير وتأمين المواد اللازمة، هناك مشكلة أخرى عانيت منها هي أنّ “أدوات التّنقيط السّعيدة” غير متوافرة لدينا، لذلك استعملت ما يمكنني استعماله من رؤوس أقلام الرّصاص ونهاياتها للحصول على نقط بمقاسات مختلفة.
تعب وجهد وإصرار وصبر، تقطف ثمارها نهى زيّود اليوم، تقول: بدأت ببيع لوحات بأسعار مدروسة كي أستطيع الاستمرار، وكان هناك إقبال عبر الإنترنت قبل افتتاح المعرض ولاسيّما على اللوحات الاسمية.
نجوى صليبه