سياسة العصابات لن تخدع الآسيان
هناء شروف
يروّج البيت الأبيض لما يُسمّى بـ”إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” ضد الصين، ويكثف حملته للضغط على الصراع الروسي الأوكراني خلال قمة استمرت على مدى يومين (13- 14 أيار الحالي) في واشنطن مع زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا. لكن أمل واشنطن في جذب أعضاء الآسيان إلى معسكرها سوف يتضاءل، حيث إن دول الآسيان قد استيقظت بالفعل على هيمنة واشنطن النموذجية، والنفاق والهوس الأناني. وبالفعل كشفت ترتيبات القمة بحدّ ذاتها عن طبيعة التعامل المزدوج لواشنطن، فقد أثار عدم احترامها لأعضاء الآسيان فيما يتعلق بجدولة القضايا، موجة من الشكاوى على الرغم من تعهدها الالتزام الدائم، مما أدى إلى تأجيل القمة من أواخر آذار الماضي إلى أيار الحالي.
قال الوزير الكمبودي الملحق برئيس الوزراء كاو كيم هورن قبل القمة إنه إذا كانت واشنطن جادة في تحسين علاقاتها مع الآسيان، فينبغي أن ترتب لقاءات ثنائية بين الولايات المتحدة ودول الآسيان، وأشار إلى أن زعماء الآسيان يجب أن يعاملوا باحترام ومساواة. وأكد أن ما يُسمّى إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ التي تروج لها في هذه القمة تدّعي الحفاظ على الحرية والانفتاح الإقليميين واحترام مركزية الآسيان في الشؤون الإقليمية، ولكنها في الواقع تحرض على المواجهة وتقوض الوحدة وتهدّد التعاون والتنمية في المنطقة من خلال تكتلات جيوسياسية حصرية.
وقد أظهر تقرير حديث صادر عن المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والدولية أن العديد من أعضاء الآسيان قد أعربوا عن مخاوفهم من أن ما يُسمّى بـ”الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” هو مسعى سياسي في المقام الأول لمواجهة الصين، وليس مسعى اقتصادياً صادقاً ومدروساً، لأنه خلال القمة جهدت واشنطن لإقناع الآسيان بفرض عقوبات على روسيا، لكن معظم أعضاء الآسيان لم يحذوا حذوها.
في 7 نيسان الماضي امتنع ستة من الكتلة المكونة من 10 أعضاء عن التصويت لمصلحة قرار بإخراج روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وصوت اثنان ضده. وحث أعضاء الآسيان الذين يلتزمون منذ فترة طويلة بسياسة خارجية مستقلة على حلّ الأزمة من خلال المفاوضات والحوار.
علاوة على ذلك، كان بعض أعضاء الآسيان على دراية جيدة بحسابات واشنطن غير المعلنة لتحويل المعاناة الدموية للآخرين إلى فرص ذهبية لتحقيق الأرباح في الصراع بين روسيا وأوكرانيا. على سبيل المثال خلال زيارته للصين في أوائل نيسان الماضي، قال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية التايلاندي دون برامودويناي إنه يقدّر موقف الصين الموضوعي والعادل بشأن قضية أوكرانيا والذي ينصّ على أنه يتعيّن على الدول الآسيوية الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة والمقاومة المشتركة للعقوبات والولاية القضائية طويلة المدى التي لا أساس لها في القانون الدولي، وعليها منع محاولات خلق توترات وتكرار الأزمات في المنطقة.
إن ممارسة سياسات العصابات وإجبار الآخرين على الانحياز -حيل واشنطن القديمة لكسب المصالح الجيوسياسية- تعمل ضد إرادة الآسيان لدعم السلام والاستقرار الإقليميين وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. كما أن بدء الحروب التجارية وخرق الاتفاقيات -الإجراءات الأحادية الكلاسيكية لواشنطن- تعطل بشدة التبادلات التجارية العادية وسلاسل التوريد في المنطقة، وتوجه ضربة قوية لاقتصاد الآسيان.
حان الوقت لواشنطن للتخلي عن حلمها القديم في هيمنة الحرب الباردة، والتمسّك بعقلية منفتحة وشاملة، ولعب دورها الواجب في الحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.