ثقافةصحيفة البعث

“وينكسر الطريق”.. تداعيات الحرب والهجرة

لم تكتبْ سمر الكلاس روايتها “وينكسر الطريق” عن سبق إصرار وتصميم وهي التي اعتادتْ أن تكتب بشكلٍ دائم بهدف تحسين لغتها، ولكن وبتشجيع من بعض الشخصيات المهمة التي تابعتْ بعض السرديات التي تكتبها على صفحتها في تطبيق فيسبوك، وكان الأديب نصر محسن أكبر داعم لها لإصدار هذه الرواية التي قامت بتوقيعها مؤخراً في المركز الثقافي في أبو رمانة بعد أن عقدت ندوة احتفالية بها بمشاركة الأساتذة د.نذير جعفر، أيمن الحسن، محمد الحفري، وتدور أحداثها بين سورية والهند وليبيا وتسلط الضوء على العادات والتقاليد والحياة الروحانية التي تعيشها شعوب تلك المدن من خلال قصة أسرة دفعتها الظروف والأحداث للهجرة.

ليست سيرة ذاتية

وبيّنت الكلاس في تصريح لـ “البعث” أنه ما من عمل في بدايته متكامل، ولا بد من وجود بعض الهفوات في أي تجربة أولى يخوضها الكاتب وأن كل ما في الرواية محض خيال ولكنّه مستمدّ من واقع الحرب الأليم ومعاناة الإنسان الفقير في ظل الحرب والهجرة وواقع عاشته كلّاس في مجتمعات أخرى من خلال غربتها، مؤكدة أن الرواية ليست سيرة ذاتية إلا أنها وظّفت بعضَ الشخصيات التي تعرفها واستفادت من ردود أفعالها، ولم تخفِ الكلاس أن خوفاً كبيراً تملّكها وهي تقدم على كتابة الرواية، ولكن وبعد إصدارها وجدت صدى لها، وهذا ما أسعدها مع أنها ليست راضية كل الرضا عندها، وهذا أمر طبيعي في أي تجربة أولى برأيها، مشيرة إلى أنها انتهت من كتابة رواية جديدة، وفيها شعرت أن المسؤولية أصبحتْ أكبر، كما أنها تسعى لإصدار كتاب عن أدب الرحلات تصف فيه رحلاتها الخاصة.

لا بديل للوطن

وأشار د. جعفر في مشاركته إلى أن الرواية تأتي في سياق تصوير تداعيات الحرب على سورية وليبيا وما خلّفته من آثار نفسية عميقة على مجمل العلاقات الإنسانية، ومنها علاقة الشخصية المحورية في الرواية “سارة” بكل من “فارس” و”رضا” والتي تنتهي بموتهما الجسدي والعاطفي فيما يبقى ظلّهما يُحاصرانها لتستعيد من خلالهما رحلة العذاب في الغربة عن الوطن الذي يغادرونه خوفاً من الموت بسبب الحرب المندلعة، فيلاقيهما الموت في بلاد المهجر، وينكسر بهم الطريق بين هنا وهناك لتضيع أحلامهم وتبقى عذابات المرأة السورية المتمثلة بسارة والليبية المتمثلة بمريم شاهداً على المأساة التي سبّبتها الحرب على هذين البلدين، مبيناً أن التوزع المكاني الزماني للرواية يتوزع ما بين سورية وليبيا وتونس والجزائر والهند وفرنسا، حيث تشكّل هذه المدن محطات في رحلة الاغتراب التي تعيشها بطلة الرواية، فيما يمتد زمن المتن الروائي منذ بداية الربيع الأسود مروراً بالحرب التي نجمت عنه وحتى العام 2021 وتبرز دمشق في هذا الفضاء بوصفها الأمان ووجع المغتربين الذين يعيشون في حنين دائم إلى كل ما فيها على الرغم من أن الحرب حاولتْ تشويه كل ما فيها، موضحاً جعفر أن الكاتبة وظفت عدداً من التقنيات السردية في خطابها الروائي حيث يتناوب على السرد ضمير الغائب والمتكلم ممّا يجنبه الترهل والإملال ويشوّق القارئ ويحفزه على الانتباه، إلى جانب حرصها على جماليات اللغة، لا سيما في الوصف الشاعري لدمشق وغوطتها وينابيعها وبساتينها، وتضمين الكلاس الرواية العبر المستمدّة من تجربة بطلتها والشخصيات الأخرى المتنوعة بتعدّد المدن التي ترحل إليها البطلة، والتي لكل منها طباعها وعاداتها مما أضفى تنوعاً يشدّ القارئ ويوسّع معرفته بتلك الشعوب.. واختتم جعفر كلامه بالإشارة إلى أن طريق أبطال الرواية انكسر لكن أصواتهم وصلتْ إليها وأوصلتْ رسالتها بأن لا بديل للوطن أياً كانت المخاطر التي تهدد العيش فيه.

معمار روائي

وأكد الحفري أنه منذ وقتٍ غير قليل لم يقرأ نصاً يجعله متحفزاً ومتوتراً لمعرفة ماذا يريد الكاتب وإلى أين سيصل في النهاية، واصفاً الرواية بأربع صفات تمتعت بها هي التشويق والمتعة والخيال الروائي الواسع، والأخيرة وهي الأهم لأنه نادراً ما نعثر عليها في الأعمال السردية حيث تنفلت الخيوط أحياناً من يد الكاتب ويصعب عليه لمّها، مبيناً أن الأسفار الكثيرة وزيارة الكثير من البلدان شكّلت مفصلاً أساسياً في البناء الذي اعتمدته كلاس في روايتها التي تعرف القارئ على الكثير من الأمكنة وطبيعة الحياة لأكثر من مجتمع ومنها حياة عائلتها في دمشق وبعض من عادات المجتمع الهند. ويؤخذ على الرواية حسب وجهة نظر الحفري وجود أكثر من صفحة زائدة عن الحاجة ولا لزوم لها، داعياً في نهاية مشاركته إلى قراءة الرواية لأن القارئ سيكتشف أنه أمام معمار روائي جميل بنته الكاتبة بتمهّل ورويّة، وأنه عمل يُشار إلى جدارته وتفوقه على الكثير من الأعمال، وهذا ما يؤكد أن المؤلفة على الطريق السليم والصحيح.

حقائق

اختار أيمن الحسن أن يتوقف عند بعض ما يؤخذ على الرواية، وأولها أن الكاتبة تحاول أن تقنعنا بوجود قدرات خارقة لبعض البشر وهي في الغالب شريرة في الوقت الذي يعمل فيه العلم جاهداً لدحضها ويسعى الأدب إلى رفضها أو على الأقل التشكيك فيها، لذلك أسف الحسن أن تظهر هذه الخرافات في الرواية وكأنها حقائق لا لبس فيها ولا غبار عليها، منتقداً كذلك أجواء الرعب الذي افتتحتْ الكاتبة بها الرواية.

تقع الرواية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب في 270 صفحة من القطع المتوسط، ويُذكر أن سمر كلاس تحمل شهادة دبلوم دراسات عليا في علم النبات وإجازة في العلوم الحيوية من جامعات جزائرية وتكتب القصة القصيرة.

أمينة عباس