خبير اقتصادي: التضخم سببه ارتفاع التكلفة لا زيادة الطلب.. والحل بالتشغيل
دمشق – فاتن شنان
ثمة تحذيرات كبرى من استمرار ارتفاع معدلات التضخم وما سيليه من ركود اقتصادي عالمي، ما حدى بمعظم حكومات العالم للتسابق للتصدي له حسب طبيعة اقتصاداتها وقوتها من خلال دراسة أسبابه وسبل معالجته عبر جملة من أدوات السياسة النقدية الممكنة.. لكن الملاحظ اعتماد الاقتصادات العربية على نظيراتها الغربية وتطبيقها بشكل أعمى، ما عمق بالتالي أسباب التضخم لديها وازديا معدلاته، فجاءت النتائج لتزيد الطين بلة بعكس ما تصبو إليه، لترتفع أصوات خبراء الاقتصاد بضرورة توخي الحذر ومعرفة الأسباب الحقيقة لمعالجتها بالشكل الأمثل.
غياب الدراسات
من القرارات المتبعة كان تطبيق قرار رفع سعر الفائدة، ورغم توخي الحذر في النسب المطبقة إلا أن مصرف سورية المركزي أحرز سبقاً كبيراً برفع أربعة نقاط أي بما يوازي ٥٨% مما كانت عليه خلافاً لدولة مصر -على سبيل المثال- التي رفعت النسبة بمقدار 0.25%، واليوم يحذر خبرائها من منعكسات رفع الفائدة والتوجه لحلول أكثر جدوى، فيما لا تزال السياسات النقدية تتجاهل عما عكسته النسب العالية من ارتفاع التكاليف المصرفية على الأموال المودعة من جهة، وتجفيف السيولة في الأسواق من جهة أخرى، ما أثمر عن ارتفاعات متسارعة في الأسعار من جهة أخرى.
الخبير عامر شهدا اعتبر أن السياسات النقدية غير مبنية على دراسات واقعية صحيحة، وأن ورفع الفائدة سيزيد التضخم لاسيما في ظل غياب قنوات استثمارية حقيقية تنموية ترفد الاقتصاد الوطني وتدعمه، وتكون الغاية بعيدة كل البعد عن التصدي للتضخم، مبيناً أن معرفة أسباب التضخم هي أولى الحلول، فالتضخم في الاقتصاد المحلي ناتج عن ارتفاع التكلفة، لا عن ارتفاع الطلب كما هو في الأسواق العالمية التي اعتمدت رفع سعر الفائدة كحل مجدي له.
وأوضح شهدا أن السياسات النقدية في تخبط واضح وهو ناتج عن غياب الخطط والمعلومات والدراسات الاقتصادية، فالتضخم الناجم عن ارتفاع التكاليف يستوجب العمل على دعم حركة البيع والشراء وزيادة القدرة الشرائية لتحريك الأسواق وبالتالي تفعيل منعكساتها بزيادة الإنتاج المحلي، أما تجفيف السيولة من الأسواق وتحويلها إلى المصارف التي تعاني سلفاً من تراكمها، فلن يساهم في محاربة التضخم القادم، منوهاً إلى أن القرارات الهادفة لجذب الاستثمارات وتفعيل مسارها لابد من اتباعها بجملة من الإجراءات والتسهيلات لعملية الاستثمار سواء كانت مصرفية أو قانونية.
كما من المفترض أن تتجه السياسة النقدية لتنمية التشغيل والعمل بكافة المسارات والقطاعات، ولعل أهمها دعم المشاريع الصغيرة والحرص على إنتاج منتجات تلبي حاجة السوق المحلية وقدرة المواطن الشرائية لتقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بالتوازي مع تمكين كافة المواطنين من الاندماج في عملية الإنتاج من خلال قرارات تشجيعية وإجراءات سريعة وقروض ميسرة لكل من يرغب بالعمل.
كلفة إضافية
وأضاف شهدا، لاشك أن رفع أسعار الفائدة من أهم أدوات السياسة النقدية لمواجهة التضخم ولكن في حالة ارتفاع الطلب وليس التكلفة، مبيناً أن الوقوف على الأسباب الحقيقة يعطي نتائج جيدة ويحول دون ارتكاب أخطاء بقرارات ارتجالية عشوائية تقض مضجع الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن قرار رفع الدعم في الوقت الحالي على سبيل المثال انعكس سلباً على المواطن والحكومة على حد سواء ولم يبلغ الهدف المنشود في تقليص نسب العجز في الموازنة العامة، الذي من الطبيعي تقليصه بتحقيق موارد تنموية اقتصادية ناتجة عن مشاريع إنتاجية حقيقية، إذ تمخض القرار عن ارتفاع الأعباء المادية بنسب تفوق القيم السابقة في ظل الدعم المعتمد.
تسلسل الأخطاء
كما اعتبر شهدا أن الأخطاء النقدية المرتكبة أدت إلى أخطاء أخرى، أهمها ما تنفذه الحكومة من تحديد الأسعار وإلزم المنتجين والمستوردين بها، ما سيؤدي بالضرورة لظهور إشكاليات في ظل تغيير الأسعار المتسارع، إلى جانب آثاره الواضحة على تقييد العملية الإنتاجية، كما استهجن تأخر الحكومة في تنمية مشاريع الطاقة البديلة على الرغم من تحذيرات الخبراء منذ سنوات بوجود عجز كهربائي، الواقع الذي شكل سبباً إضافياً للتضخم وساهم في عزوف المستثمرين عن الاستثمار.