هل تورطت روسيا في أكرانيا ؟؟…
د. مهدي دخل الله
سؤال مطروح في دائرة الرأي العام العالمي بقسميه المؤيد لروسيا والمعارض لها . والسؤال قد يزعج بعض مؤيدي روسيا فيعتبرونه سؤالاً غبياً . لكن لنعد إلى القاعدة المنطقية التي تقول إنه لا يوجد سؤال غبي ، وإنما توجد أجوبة غبية ..
هل تورطت روسيا ؟… لا , لسبب بسيط هو أن خيار العملية الروسية في دونباس وأكرانيا كان خيار الضرورة ، والحرية – كما يقول الفلاسفة – هي معرفة الضرورة والتعامل معها ..
وخيار الضرورة يعني – في السياسة كما في الحياة عموماً – الخيار الذي لابد منه ، وكل لابد منه لا غنى عنه . هذا يشير إلى أن البديل كان أكثر سوءاً من خيار الضرورة ، لأن البديل معناه ضم أكرانيا إلى الناتو ، وبعدها فوراً فنلندا وجورجيا والسويد .
خيار الضرورة صحيح دائماً على الرغم من الخسائر التي يسببها هذا الخيار . مثلاً ، نحن في سورية كان خيار مواجهة الحرب والتصدي لها خيار الضرورة . وهذا الخيار يتطلب تضحيات كبيرة دفعناها لأن الخيار الآخر ، أي الاستسلام ، كان خياراً قاتلاً ..
لو أن روسيا بقيت ساكنة دون القيام بالعملية ، لكان الخيار كارثياً . تصوروا مثلاً أن صواريخ الناتو في أكرانيا تصل إلى موسكو بأقل من ثلاث دقائق ..
ليست المشكلة في أن روسيا قامت بالعملية ، وإنما المشكلة أنها انتظرت طويلاً حتى بدأتها . ربما كان من المفروض أن تتصرف روسيا بقوة منذ عام 2005 ، عندما وقع بوتين والأسد ” إعلان موسكو ” الذي أكد ضرورة قيام نظام عالمي جديد أكثر توازناً ، على أساس الشراكة والتعاون بين الدول ..
يعترف الروس بأن صبرهم فاق الحد . أمين عام حزب روسيا الموحدة – وهو الحزب الحاكم – اعترف بذلك قبل شهر ، في مؤتمر جمع خمسين حزباً من عدد من الدول تم عبر تقنية زووم ( فيديو كونفرانس ) . كان حزبنا مشاركاً في هذا المؤتمر ، وقدم مداخلة من بين أربعة أحزاب فقط قدمت مداخلات ..
قال المسؤول الروسي أن موسكو صبرت طويلاً وتحملت تمدد الناتو شرقاً وقيامه بضم عدد كبير من دول شرق أوروبا ، بما في ذلك دول البلطيق الثلاث المتاخمة لروسيا ( لاتفيا وليتوانيا وأستونيا ) . لكن الغرب رأى في الصبر الروسي ضعفاً ، فاستمر في تمدده العدواني ، متنكراً لوعوده بأن لا يتقدم أنملة واحدة في أوروبا الشرقية بعد انهيار حلف وارسو .
وعود واتفاقات أخرى لم يلتزم بها الناتو من أهمها اتفاق مينسك حول دونباس ، ومبدأ الأمن الشامل في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ، واتفاق استنبول . كما أن موسكو أعطت واشنتُن فرصة أخيرة عبر اقتراحها في قمة بوتين – بايدن الأخيرة حول ضرورة تحقيق الأمن الشامل … أمن الجميع ..
وإذا كانت عملية موسكو العسكرية الحالية قد دقت آخر إسفين في نعش القطب الواحد تكون بذلك قد أثبتت ضرورتها من أجل روسيا والعالم كله . ولا ننسى أن الإسفين الأول في هذا النعش دقته دمشق قبل عشر سنوات، فكانت بذلك المبادر الطليعي في المواجهة .