الناتو يتجه شمالاً.. أوروبا على صفيح ساخن
عناية ناصر
بعد توسعه باتجاه الشرق، يتحرك الناتو الآن شمالاً، ما قد يجعل أوروبا منطقة على صفيح ساخن. ومنذ اندلاع النزاع الروسي الأوكراني، خرجت السويد وفنلندا عن مصطلح “فنلدة” الذي يشير إلى سياسة الحياد الصارم خلال الحرب الباردة، لكن الدولتين اللتين لم تنضما إلى الناتو حتى خلال حقبة الحرب الباردة تخلتا عن سياسة الحياد تلك، وقررتا الانضمام إلى التحالف العسكري الآن. ووفقاً للمحلّلين السياسيين ستشكل هذه الخطوة تحدياً جديداً كبيراً للنظام الأمني في أوروبا.
المسألة بالغة الأهمية بالنسبة لأوروبا عندما تتعلّق بهيكل الأمن الأوروبي، إذ لا توجد طريقة لطرد روسيا من هذا المفهوم. فروسيا هناك، تقع جوار أوروبا، وتبلغ مساحتها نحو 17 مليون كيلومتر مربع، وهناك 145 مليون شخص، بالإضافة إلى كونها ثاني أقوى جيش في العالم. فكيف سيتمّ تعزيز الأمن الأوروبي من خلال تهديد أمن روسيا؟. بالنسبة لأوروبا، من غير المنطقي الإبقاء على التوترات المستمرة مع روسيا.
بعد نهاية الحرب الباردة، انكسر التوازن الأمني الأوروبي، ولم يبقَ الناتو الذي لم يعد لديه أية أعذار لوجوده بعد حلّ حلف وارسو، على قيد الحياة فحسب، بل حصل أيضاً على دور جديد باعتباره الداعم العسكري للهيمنة العالمية للولايات المتحدة. والأسوأ من ذلك، أنه لم يكن هناك أي منظمة عسكرية أخرى في العالم يمكنها ضبط وتحقيق التوازن في الناتو.
بعد عدة جولات من التوسّع باتجاه الشرق، ضمّ الناتو عدداً لا بأس به من أعضاء الاتحاد السوفييتي السابق، وقد ثبت بالفعل أن توسّع الكتلة جعل أوروبا أكثر خطورة بدلاً من جعلها أكثر أماناً. وعلى الرغم من ذلك، مازال الناتو يرحب بجولة أخرى من التوسّع باتجاه الشمال، لكن اختلال التوازن الأمني في أوروبا لا شك أنه في طريق التدهور، حيث يتمّ إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لأوروبا.
وفي حال انضمّت فنلندا، التي تشترك في حدود بطول 1340 كيلومتراً مع روسيا، أطول من الحدود الروسية الأوكرانية، إلى الناتو، فسيعتبر ذلك بمثابة تصعيد خطير للاستفزاز على عتبة روسيا، وستزداد احتمالية نشوب صراع جديد بين روسيا وحلف الناتو، وفي تلك الحالة لن تحصل أوروبا إلا على وضع أمني أكثر هشاشة.
قد يعتقد الناتو أن لديه قوى تقليدية قوية وقوة اقتصادية، لكن روسيا تحتفظ بآلاف الرؤوس النووية، وأن أي استفزاز آخر من جانب الناتو ضد روسيا لن يعرّض أوروبا فحسب، بل العالم كله للخطر.
تعتقد فنلندا والسويد الآن أنه بعد انضمامهما إلى الناتو، يمكنهما تلقي الحماية من الآخرين، لكن في هذه الحالة ستكون فنلندا في طليعة الحملة المعادية لروسيا، ووفقاً لما قاله سون كيكين، الباحث في المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة “فإنه إذا حدث خطأ ما على خط المواجهة، فستكون فنلندا أول من يواجه العواقب”.
لقد أدّى اختلال التوازن القاتل في البنية الأمنية الأوروبية إلى وقوع القارة في كارثة واضطراب كبيرين، ويجب أن يكون هذا بمثابة درس لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، خاصةً وأنه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أرادت الولايات المتحدة دائماً إنشاء إطار أمني عالمي لاحتواء الدول الاشتراكية. ومع ذلك، لم تنجح المحاولة في ضوء التناقضات بينها وبين حلفائها.
قد تطبّق الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بمنطق قويّ لسياسات القوة وعقلية الحرب الباردة، تكتيكها لتحويل المناطق الأخرى إلى بؤر توتر خطيرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لكن مع الدروس المستفادة من الأزمة الأوكرانية، يجب على دول آسيا والمحيط الهادئ أن تتكاتف في قول “لا” للتدخل الغربي في المنطقة، والبدء في بناء نظامها الأمني الخاص بها، وتجنّب اقتراب الأزمة في أوروبا من الظهور على أبوابها.