ريم الماغوط درست النحت والسينوغرافيا واتجهت لصناعة الدمى
البعث الأسبوعية-أمينة عباس
بعد دراسة النحت في معهد الفنون التطبيقية والسينوغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية عملت في تصميم الأزياء والديكور وصناعة الدمى وقد كان لهذا التعدد في الاهتمامات تأثير كبير على ما وصلت إليه من نجاح تحصده اليوم في عملها في هذه المجالات مجتمعة سواء في المسرح أو في السينما أو في التليفزيون.
*درست النحت والسينوغرافيا، فما الذي جذبك إلى مسرح العرائس وصناعة الدمى؟ وكيف كانت البداية؟
**كانت دراستي للنحت والسينوغرافيا عن رغبة حقيقية، ولم أعمل كنحّاتة بعد التخرج، لكنني حاولتُ قدر الإمكان توظيف ما درسته في النحت في السينوغرافيا وصناعة الدمى، خاصة وأن هذه الفنون ترتبط مع بعضها بعلاقة وثيقة، وأعتقد أن أهم ما يجب أن يُفكّر فيه أي طالب بعد التخرج هو كيف سيكمل طريقه في المجال الذي يحبّه، مع التأكيد على أن ما اكتسبتُه خلال الدراسة ومن ثم في الحياة العملية بعد التخرج شكّل عندي أساساً متيناً للعمل في مجال صناعة الدمية التي أصبح العمل فيها بالنسبة لي يشكل متعة كبيرة قبل أي شيء، فأنا حتى في أوقات فراغي أتسلى بصناعتها وأقوم دائماً بتجريب تقنيات جديدة فيها، وقد أصبحتْ الدمية بالنسبة لي رفيقاً ملاصقاً منذ سنتين تقريباً، ولأنني أحبُّ هذا المجال ومتعلقة به أسعى دائماً لأن أتعلّم وأتطوّر وأبتكر حتى لو لم يكن لديّ عرض، وما زلت أشعر أنني بحاجة لأن أعمل أكثر، وأتمنى أن يصبح عندي في المستقبل ورشة لتصنيع الدمى حيث لا يمكن لأحد أن يتخيل مدى سعادتي عندما أشاهد أي دمية، وهذا ما كان يحدث لي في طفولتي، فكل ما في الدمية يلفت انتباهي، شعرها وملابسها، كما كنت أحرص على مراقبة الدمى في برامج الأطفال وعلى التدقيق فيها لأعرف كيف صُنِعَت، وقد ظلّ هذا الأمر يرافقني ولكني لم أفكّر أنني عندما أكبر سأعمل في تصنيعها، ولكن بعد دراسة النحت والسينوغرافيا لم أتخلّ عن شغفي وحبّي لهذا المجال، لذلك عندما دعتني أ.منور عقاد للعمل معها في ورشة تعليم وتحريك الدمى لذوي الاحتياجات الخاصة خضتُ هذه التجربة رغم بساطتها وكانت تجربة لصناعة دمية تناسب الحالات الخاصة والأعمار، وهذه التجربة تعنيني لأنها جعلتني أعمل فيما أحبه حيث رشّحتني أ.عقاد مرة ثانية لصناعة دمى لعرض مسرحي في مسرح العرائس، وحينها فرحت وخفت في الوقت نفسه لأنها كانت تجربتي الأولى، ولا أنكر أنني ترددتُ في البداية لعدم وجود خبرة عندي، إلا أنني تجرّأتُ ووافقتُ وجرّبتُ لوحدي كثيراً واستعنتُ بالإنترنت وثابرتُ إلى أن وصلتُ إلى تقديم شكل مقبول، وهكذا تابعت التجربة مع أكثر من مخرج، وصرتُ أتعمّق وأطوّر أدواتي أكثر في هذا المجال .
*ما هي المراجع التي تتكئين عليها في صناعة الدمى؟
**في ظل غياب الأكاديميات التي تُدَرّس هذا الفن وعدم وجود ما هو احترافي يمكن العودة إليه للتعلّم إلى جانب عدم وقوعي على مراجع في هذا المجال أستعين بالدرجة الأولى بالانترنت، فمن خلاله أحرص على متابعة الفيديوهات التي تعلم التصنيع، إلى جانب محاولاتي الدائمة في التجريب، فعندما أفشل أعيد التجربة حتى أصل إلى النتيجة التي أريدها وأكون راضية عنها رغم أن الرضا بشكلٍ دائم غير موجود عندي، ويجب أن أُشير إلى أنني في بعض الأحيان أعودُ إلى أ.هنادة الصباغ شيخة الكار في مجال صناعة الدمى في سورية وهي أستاذة بكل معنى الكلم، وتقدّم لي المساعدة عندما أحتاجها ولا تبخل علي، كذلك أعود إلى أ.منور عقاد التي لا أنسى فضلها عليّ، فمنذ البدايات أستعين بخبرتها عندما أشعر بالعجز .
*أي صفات يجب أن يتمتع بها صانع ومحرك الدمية لنرى في النهاية دمية من لحم ودم؟
**أهم صفة يجب أن يتمتع بها صانع الدمية أن يحبّ ما يقوم به سواء بالتصنيع أو التحريك لأن العمل بحب سيعطي نتيجة أفضل، إضافةً إلى الصبر، ويجب ألّا يعمل بسرعة حتى لا يصنع دمية غير جميلة أو غير جيدة، مع المحافظة على الإحساس بالمتعة أثناء العمل للخروج بنتيجة جيّدة، لذلك فإن صناعة الدمية بحاجة إلى حب ومتعة، ويجب على صانع الدمى أن يتخيل قدر الإمكان الشكل العام للدمية التي سيصنعها على صعيد الكاركتر أو المواد التي سيحتاج إليها للوصول إلى الشكل المراد .
*ما شكل العلاقة التي يجب أن تكون بينك كصانعة دمى أو مصممة أزياء أو ديكور وبين المخرج للخروج بعمل يرضيك؟
**العمل المسرحي عمل جماعي، ولذلك يجب أن يكون النقاش والحوار هو أساس هذه العلاقة بعيداً عن فرض رأي أي طرف على الآخر، مع الإشارة إلى أن المخرجين يجب أن يفسحوا المجال لأصحاب الاختصاص أن يقوموا بعملهم دون أن يكون لديهم وجهة نظر حاسمة ونهائية، ويجب أن يستمعوا لكل الأطراف الفنية للوصول إلى نتيجة جيّدة، وبالمقابل يجب أن يستمع أصحاب الاختصاص إلى وجهة نظر المخرج وعدم التعنّت في وجهة نظرهم للوصول إلى تقديم صورة واحدة مرضية للجميع عن طريق الاتفاق .
*متى يصبح مصمم الديكور أو الازياء أو صانع الدمى مجرد منفذ؟ **عندما يستسلم ويرضخ للمخرج دون تفكير أو طرح لوجهة نظر، وهذا الأمر خطير على العمل لأن وجهة نظره قد تكون صائبة، ولذلك يجب ألا يحجم عن طرحها ومناقشتها مع المخرج والوصول إلى وجهة نظر بموافقة الطرفين .
*بين البداية واليوم ما هي الخلاصة التي توصلت لها في عالم صناعة الدمى؟
**أهم ما توصلتُ إليه هو أن عالم صناعة الدمى بلا حدود، ووهو يقوم على الابتكار والخيال ويعتمد على تقنيات كثيرة، فمهما تعلّم صانع الدمى يكتشف دوماً تقنيات جديدة فيه لأنه عالم واسع للاكتشاف والتجريب، لذلك فإن الفرق بين أول تجربة دمى لي وما تلاها كبير، وأنا أتلمس تجربة بعد تجربة تطوّري وحين أعود إلى التجربة الأولى التي قدمتها أتمنى لو أني فعلتُ أموراً كثيرة، وهذا أمر طبيعي لأن الفن هو أكثر مجال قابل للتطور بشكل يومي، وعالم صناعة الدمى واسع وممتع ولهذا فإن الوصول إلى الشكل النهائي للدمية هو قمة السعادة للصانع .
*كيف تقيمين ما تصنعينه من دمى؟ وما أكثر ما يسعدك بعد الانتهاء منها؟
**أهم ما في الأمر هو أنني وفي كل عرض أحرص على متابعة رد فعل الجمهور من الأطفال على الدمى وأرصد مدى تفاعلهم معها وهي تتكلم وتُغنّي وتتحدث معهم، وأكثر ما يسعدني هو عندما أراهم يتفاعلون معها، وكل ما أتمناه هو أن يتم العمل بشكل دائم على تقديم عروض دمى بحكايات جميلة .
*ما أهم الصعوبات التي تعترض عملك في صناعة الدمى؟ وما السبيل لتذليلها؟
**لم أصادف مشاكل كبيرة على هذا الصعيد لأنني أستمتع وأنا أقوم بصناعة الدمى إما لجهات خاصة أو لنفسي، أما تصنيع دمى لعرض من العروض في مسرح العرائس فغالباً ما يتم في وقت قصير، وهذا أمر غير صحّي لأن صناعة دمى يبلغ عددها بين الخمس والعشر خلال وقت محدد يربك صانع الدمى، وحين يكون لديه مزيداً من الوقت ستكون النتائج أفضل على مستوى التصنيع، لذلك فإن أكثر ما أُعاني منه هو ضيق الوقت الذي لا يتناسب مع حجم العمل وصعوبته، مع اعترافي أن هذا الأمر له علاقة بسياسة العروض وآلية العمل .
*افتقدت ساحتنا المسرحية لمصنعي الدمى في فترة من الفترات فأي أسباب وقفت وراء ذلك؟
**لا أستطيع أن أُقدّم إجابات دقيقة لأنني جديدة على هذا المجال، فأنا أعمل فيه منذ أقل من سنتين، لكنني أسمع من الجيل الأكبر أن الاهتمام بصناعة الدمى في السابق كان أكبر خاصة على صعيد وجود ورشات أكاديمية يشرف عليها خبراء من الخارج تدرّب المهتمين على تصنيع وتحريك الدمى، وقد غاب هذا الأمر نتيجة الحرب، فالخبرات التي كانت تأتي من الخارج لم يعد بإمكانها أن تفعل ذلك خلال الحرب، ومن ثم كورونا، لذلك اكتفى هذا المسرح بالخبرات المحلية التي هي بالأساس تقتصر على عدد قليل من المهتمين مع عدم وجود جامعات أو أكاديميات تهتم بهذا الجانب، وقد تعلموا نتيجة مشاركتهم في ورشات خارجية .
*تحرص مديرية المسارح بين فترة وأخرى على إقامة ورشات تصنيع الدمى فما الفائدة المرجوة منها برأيك؟
**أشجع هذه الورشات كثيراً، وأعتقد أن كثيرين بحاجة إليها، والفائدة المرجوة منها مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالمشاركين فيها ومقدار الرغبة في التعلم ومثابرتهم بعد ذلك واجتهادهم في الاستمرار والتطور، والورشة هي دراسة أكاديمية مصغرة والمدرب يعطي فيها الأساسيات ورؤوس الأقلام، وبالتالي يجب على المتدرب أن يطور نفسه فيما بعد من خلال البحث والاستمرار في التعلم وكذلك من خلال الممارسة لأن صناعة الدمى فن لا حدود له والمدرب في فترة قصيرة لا يستطيع تقديم كل شيء للمتدرب الذي يجب عليه أن يستفيد من كل معلومة تقدم له في الورشات وأن يحدد هدفه في هذا الوقت إن كان سيكمل الطريق في هذا المجال أم لا .
*عملت مصممة ديكور وأزياء في عدد من المسرحيات والأعمال لسينمائية، فما الذي يميزك في هذين المجالين؟ وما هي النظرية التي تؤمنين وتعملين بها على هذا الصعيد؟
**الشغف والحب هو الذي يطغى على كل عمل أشارك فيه، وإن كنت في النهاية لا أصل إلى رضا كامل عما أقدمه لإيماني بأن هناك بالإمكان دائماً تقديم الأفضل، وهذه القناعة تعطيني دائماً دافعاً للاجتهاد أكثر في كل عمل جديد، وما أطمح إليه هو ترك بصمة واضحة في المسرح والسينما والتلفزيون، والنظرية التي أعتمدها في عملي هي أن أي عمل يقدم إلي سواءً كان بسيطاً أم غير بسيط مع مخرج معروف أم غير معروف لا بد أن أبذل فيه كل جهدي لأنني لا أتعامل مع أي تجربة ببساطة مهما كانت بسيطة، كما لا أفرق بين مخرج وآخر .
**بين عملك في الديكور والأزياء وصناعة الدمى أيها الأقرب إلى قلبك؟
**كل هذه المجالات تشكّل لي صورة بصرية واحدة، فعملي في الأزياء لا يمكن أن يكتمل دون ديكور، لذلك أحرصُ دوماً على التواصل مع مصمم الديكور في حال كنتُ أنا مصممة الأزياء حيث من الضروري أن أكون على اطلاع بما يُقدّمه وكيف يُقدّمه لأن المُشاهد في النهاية سيشاهد صورة واحدة وأي خلل في أي عنصر من هذه العناصر سيقوم بتشويه هذه الصورة.. كل مجال من هذه المجالات له خصوصيته ومتعته، لكنني أعترف أن صناعة الدمى تلامسني كثيراً، فشكل الدمية يعيدني إلى مرحلة الطفولة وذكرياتها، لذلك قد أكون ميّالة للدمى أكثر من بقية المجالات .
من أعمالها المسرحية نذكر:
سوبر ماركت للمخرج أيمن زيدان،- ديكور وأزياء ودمى- “القطة شحرورة” للمخرج زهير بقاعي و”رحلة الحظ” للمخرج عبد السلام بدوي- أزياء- “حكايتنا” للمخرج سهير برهوم– ديكور وأزياء- فلة والأقزام السبعة للمخرج بسام حميدي – ديكور- مملكة النمل للمخرج خوشناف ظاظا– دمى- مغامرة في مدينة للمخرج نديم سليمان – دمى- وفي السينما “أيام الرصاص” للمخرج أيمن زيدان-ديكور