الولايات المتحدة تدخل عصر فقدان الذاكرة
هناء شروف
مع اقتراب عدد وفيات كوفيد 19 في الولايات المتحدة من المليون، قرعت كاتدرائية واشنطن الوطنية جرسها 1000 مرة قبل أيام، مرة واحدة لكل 1000 شخص ماتوا بسبب الفيروس.
كان رقم المليون المدمّر رقماً لم يكن من الممكن تخيله في السابق عندما تفشى الوباء الذي غيّر العالم منذ أكثر من عامين وتسبّب في أول وفاة معروفة لأمريكا. إنها علامة عار دائمة على دولة قوية متطورة أن تفقد الكثير من الأرواح بسبب الفيروس التاجي بغضّ النظر عن مدى صعوبة محاولة تبييض استجابتها الفاشلة والمضي قدماً من أزمة الصحة العامة التي أبلغت أيضاً عن عدوى أكثر من 82 مليوناً وهي الأعلى في العالم.
يتفق الباحثون على أنه لو أخذ القادة وصنّاع القرار الأمريكيون التحذيرات المبكرة من المجتمع الدولي وخبراء الصحة العامة على محمل الجد، ووضعوا العلم قبل السياسة، لكان من الممكن تجنّب مئات الآلاف من الوفيات والعديد من الإصابات الأخرى.
الحقيقة المؤلمة هي أن مزيجاً ساماً ومميتاً من التقاعس عن العمل وعدم الكفاءة أدى إلى “عاصفة كاملة” من الجائحة تدور في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتهزّ الأمة غير المستعدة لوجستياً وأخلاقياً، جوهرها الكشف عن المدى الكامل للأمراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتجذرة بعمق في أمريكا.
لقد أصاب الوباء الأقليات بشكل أكثر في الولايات المتحدة، بسبب افتقارها النسبي للوصول إلى الرعاية الصحية والموارد، على الرغم من أنه من المرجّح أن يكونوا عاملين أساسيين مطلوبين للعمل على خط المواجهة للوباء.
ونتيجة لذلك شهد الأمريكيون من أصل أفريقي انخفاضاً في متوسط العمر المتوقع، وفقاً لدراسة نشرها معهد “بروكينغز” في واشنطن. قد جادل رشاون راي، الزميل البارز في المعهد قائلاً: “لقد تمّ دمج عدم المساواة العرقية في وصفة إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما تحدث أزمات مثل جائحة كوفيد 19 يتفاقم عدم المساواة بدلاً من أن يتضاءل”.
سمحت الولايات المتحدة بشكل غير مسؤول للحالات المعدية بالانتشار إلى دول ومناطق أخرى، مع نشر نظريات المؤامرة وزرع الانقسامات، مما قوّض بشدة الجهود العالمية لمكافحة الوباء، في وقت أصبحنا بأشد الحاجة إلى الوحدة والتعاون أكثر من أي وقت مضى.
كتب المؤرخ الإنكليزي والأستاذ في جامعة كولومبيا آدم توز: “مع وجود أمريكا في المقدمة كان العالم أكثر انقساماً من أي وقت مضى، ولم يكن فشل أمريكا في تنسيق الاستجابة مجرد عرض جانبي. ما أظهره عام 2020 في الواقع هو أن الاختلالات الأمريكية هي مشكلة العالم”.
يتباطأ معدل وفيات الوباء في الولايات المتحدة بفضل انتشار اللقاحات على نطاق واسع، ومع ذلك فإن ظهور متغيّرات دلتا وأوميكرون قد شكل بلا رحمة منحنى الوفيات الجديد اليومي. وعلى الرغم من استمرار انخفاض الوفيات في الولايات المتحدة، إلا أن حالات دخول المستشفيات آخذة في الارتفاع بسبب المتغيّرات الفرعية شديدة العدوى من الفيروس.
ومع ذلك يبدو أن السياسيين الأمريكيين حريصون على طيّ الصفحة، فقد أعلن البيت الأبيض لحظة جديدة في الجائحة في آذار الماضي، حيث تمّ رفع القيود التي تهدف إلى الحدّ من انتشار الفيروس التاجي إلى حدّ كبير، وحضر كبار المسؤولين الحكوميين التجمعات الداخلية رفيعة المستوى لإظهار العودة إلى الحياة الطبيعية.
ووفق ما ورد انتقد كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة وكبير المستشارين الطبيين بالبيت الأبيض، أنتوني فوسي، على انفراد، قرار عقد عشاء مراسلي البيت الأبيض، وبعد ذلك ثبت إصابة العديد من الضيوف بمن فيهم وزير الخارجية أنطوني بلينكين، محذراً من أنه قد تكون علامة مقلقة على أن العديد من الأمريكيين لم يعودوا ينظرون إلى الوباء على أنه تهديد خطير.
وقال فوسي خلال مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” الإخبارية الأمريكية في أوائل أيار الحالي: “ما زلنا في منتصف الجائحة، بالتأكيد ليس هناك لبس بشأن ذلك، نأمل ألا نشهد ارتفاعاً كبيراً مع اقتراب الخريف، ولكن هذا لم يتضح بعد، سنضطر للانتظار والنظر”.
ستيفن ثراشر، صحفي وأستاذ في جامعة “نورث وسترن”، كتب على تويتر أن الولايات المتحدة دخلت عصر فقدان الذاكرة المتعمّد والجماعي، وأن العار المتمثل بوفاة مليون شخص أمر يصعب مواجهته. وردّدت عالمة الأوبئة الأمريكية والمراسل العلمي تارا سميث الرأي نفسه، حيث غردت قائلة: “مليون حالة وفاة ونحن بالفعل نريد أن ننسى ونمضي قدماً”.
طلب البيت الأبيض نحو 82 مليار دولار أمريكي للتأهب للأوبئة في آخر طلب للميزانية الفيدرالية. ومع ذلك، كان هذا المبلغ نحو عُشر ما سعت إليه للعمليات العسكرية في السنة المالية الجديدة، الأمر الذي أثار استياء الكثيرين. علاوة على ذلك، لا يزال التمويل الجديد لـ كوفيد 19 متوقفاً في الكونغرس بسبب الجمود الحزبي على الرغم من طلبات الإدارة المتكررة.
وقد كتب الكاتب الأمريكي روبرت جونز جونيور على تويتر، مشيراً إلى وفاة نحو مليون شخص في الولايات المتحدة: “الحكومات لا مبالية، السياسيون غير مبالين، يعتقد جيراننا أنهم معرضون للخطر، العائلات محطمة، الأطفال يتامى، ولت القصص، ضاعت الحكمة”.
كما ذكر مسؤول كبير في الإدارة أن البيت الأبيض يستعد لما يصل إلى 100 مليون أمريكي للإصابة خلال موجة هذا الخريف والشتاء إذا لم يقدم الكونغرس التمويل للقاحات والاختبارات، في إشارة إلى متوسط مجموعة من نماذج من خبراء خارجيين كجزء من دفعة متجدّدة للحصول على مساعدة مالية من كابيتول هيل.
وبينما تمضي الولايات المتحدة قدماً، لن يتمكّن مليون شخص على الأقل وعائلاتهم وأصدقائهم من القيام بذلك، حيث يتمّ إلقاء اللوم بشكل مباشر على القيادة والسياسات الفاشلة في البلاد والتي أدخلت فصلاً مؤلماً في تاريخها وذكريات ملايين الأمريكيين.