دبلوماسية “القمح” تفضح اللعبة الغربية في أوكرانيا..
تقرير إخباري
مؤتمر مفاجئ لوزراء الخارجية حول الأمن الغذائي تنظمه الولايات المتحدة، في إطار رئاستها للأمم المتحدة، وتصريحات أممية وغربية تدعو موسكو إلى السماح بتصدير القمح الأوكراني إلى العالم، كما لو كان القمح العالمي كله موجوداً في أوكرانيا..
ما الذي يحدث على وجه الحقيقة، وماذا تريد واشنطن من وراء هذه الصحوة المتأخرة على نقص إمدادات القمح العالمية، وهل هي مشغولة فعلاً بحاجة الدول الفقيرة إلى الغذاء؟
بعد استنفاد جميع الوسائل الغربية للضغط على موسكو في سبيل حماية المتطرّفين النازيين الأوكرانيين والمرتزقة الأجانب الذين يقاتلون معهم، وخاصة بعد استسلام أولئك الذين كانوا يتحصّنون في مصنع “آزوفستال” في ماريوبول ووقوعهم في قبضة الجيش الروسي، بمن فيهم من الأجانب، تحاول الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة اجتراح أساليب جديدة لتأمين ممرات آمنة لمن تبقى منهم في منطقة أوديسا، وخاصة أن المتطرّفين الأوكرانيين كانوا قد عطلوا حركة الملاحة في البحر الأسود بعد استخدامهم الألغام العائمة لمنع السفن الروسية من الوصول إليهم بحراً، الأمر الذي أجبر سفن البضائع والقمح على الرسو في الميناء خوفاً من تعرّضها لهذه الألغام، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه موسكو تأمين حركة الملاحة في البحر.
من هنا تبدو الدعوات الغربية الموجّهة إلى روسيا للمساعدة في إخراج السفن التجارية الراسية في ميناء أوديسا قفزاً فوق السبب الحقيقي الذي جعلها تتحاشى الخروج من البحر الأسود، وهو الألغام البحرية التي حذّر الجانب الروسي من قيام النازيين بزرعها في البحر مراراً دون أن تنصت الدول الغربية إلى هذه الدعوات، بل استمرّت في تزويد الجانب الأوكراني بالأسلحة ليخوض الحرب عنها بالوكالة، وزادت على ذلك بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا من شأنها تهديد الأمن الغذائي في العالم أكثر من أيّ شيء آخر، بعد أن ساهم الحظر المفروض بسبب وباء كورونا في تهديده سابقاً.
ورغم أن الغرب يستخدم أسلوباً وقحاً في التعاطي مع أوكرانيا بإجبارها على تصدير قمحها مقابل تزويدها بالأسلحة، الأمر الذي يهدّد بحدّ ذاته الأمن الغذائي في هذا البلد، حيث أعلن وزير الخارجية الروماني بوغدان أوريسكو أن بلاده أخرجت 240 ألف طن من الحبوب من أوكرانيا، وهو ما تحدّث عنه سابقاً ميخائيل ميزينتسيف، رئيس مركز مراقبة الدفاع الوطني في روسيا، من أن أوكرانيا تزوّد رومانيا بالغذاء يومياً مقابل الأسلحة، إلا أن هناك من يسعى من جانب آخر إلى التغطية على شيء معيّن في حرب أوكرانيا، أو تأمين وصول شيء معيّن إلى الموانئ الأوكرانية، ويعتقد الجانب الغربي أن أفضل وسيلة لذلك هي الضغط تحت عنوان “الأمن الغذائي العالمي”، حيث إن مجرّد الادّعاء بإغلاق الموانئ الأوكرانية لن يكون سبباً في أزمة غذاء عالمية، بوجود دول عظمى تستطيع تغطية نقص القمح الأوكراني في السوق العالمية، كما أن مَن يدّعي حرصه على الأمن الغذائي لا يقوم بفرض حظر غير مسبوق على الأسمدة الروسية التي تستخدم أصلاً في زراعة القمح وغيره من الزراعات التي يستند إليها هذا الأمن.
ومن هنا جاء ما نقلته “وول ستريت جورنال” عن مصادر دبلوماسية من أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا موسكو إلى عدم عرقلة خروج شحنات القمح من الموانئ الأوكرانية مقابل المساعدة في تخفيف العقوبات عن الأسمدة من روسيا وبيلاروس.
ورغم أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرّح بأن أوكرانيا تعرقل حركة السفن الأجنبية في موانئها وتعرّضها للخطر، وأن روسيا تتخذ الإجراءات لضمان الملاحة المدنية الآمنة في المنطقة، غير أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ادّعت مرة أخرى، أن روسيا تستخدم الحصار المزعوم على صادرات الحبوب من أوكرانيا كسلاح، مشيرة إلى أن روسيا “بدأت حرب حبوب تسبّبت في أزمة غذاء عالمية”.
هذا الكلام تابعها فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان الذي قال: إن اتصالات دبلوماسية مكثفة جارية لاستئناف عمليات الشحن التجاري والإنساني من ميناء أوديسا الأوكراني، مضيفاً: “إننا نعمل عن كثب مع أوكرانيا والأمم المتحدة، وحلفاء وشركاء آخرين بشأن هذه القضية. وندعم الجهود المبذولة لضمان توريد هذه الحبوب إلى السوق العالمية، من أجل خفض أسعار المواد الغذائية في كل مكان”.
إذن، بعد نحو ثلاثة أشهر من الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية غير المسبوقة المفروضة على روسيا، التي أثرت في العالم أجمع، استفاق الغرب على مسألة تهديد الأمن الغذائي بشكل مفاجئ، مطالباً تحديداً بوقف تقدّم الجيش الروسي في أوديسا والسماح للسفن الغربية بالوصول إلى الميناء، فما الذي يتوجب على الغرب حمايته في ذلك المكان؟.
طلال ياسر الزعبي