إمبراطورية الأسلحة البيولوجية
هيفاء علي
“حفنة من الغبار”، هي بالفعل من بين الإنجازات الكبرى للقرن الحادي والعشرين والتي قدّمها قبل أيام رئيس قوة الحماية الروسية من الإشعاع والكيميائيات والبيولوجية، إيغور كيريلوف.
كانت النتائج الأولية للأدلة التي تمّ جمعها حول استخدام الأسلحة البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا مذهلة، وأولها أن منظري الأسلحة البيولوجية الأمريكيين هم جزء من قيادة الحزب الديمقراطي من خلال الشراكة مع منظمات التكنولوجيا الحيوية غير الحكومية، باستخدام أموال الاستثمارات من كلينتون، وروكفلر، وسوروس إلى بايدن، حيث حصلوا جميعهم على تمويل إضافي لحملتهم، ولكن بشكل سري. في موازاة ذلك، قاموا بتجميع الأساس التشريعي لتمويل برنامج الأسلحة البيولوجية مباشرة من الميزانية الفيدرالية. والأمر الثاني، تورّط صانعي لقاح كورونا، شركتا “فايزر”، و”موديرنا” بشكل مباشر. والأمر الثالث، اختبر المتخصّصون الأمريكيون عقاقير جديدة متجاوزين معايير السلامة الدولية. وبحسب كيريلوف، من خلال القيام بذلك، “تقلل الشركات الغربية بشكل جديّ من تكاليف برامج البحث وتكتسب مزايا تنافسية كبيرة”.
وإلى جانب شركات الأدوية الأمريكية ومقاولي البنتاغون، تشارك الوكالات الحكومية الأوكرانية في أنشطة التكنولوجيا الحيوية العسكرية، وتتمثل مهامها الرئيسية في إخفاء الأنشطة غير القانونية، وإجراء التجارب الميدانية، والتجارب السريرية، وتوفير المواد الحيوية اللازمة. كما شدّد كيريلوف على أن البنتاغون قد وسّع إمكاناته البحثية ليس فقط من حيث إنتاج الأسلحة البيولوجية، ولكن أيضاً في جمع المعلومات حول مقاومة المضادات الحيوية، ووجود أجسام مضادة ضد أمراض معينة بين سكان مناطق معينة، فقد كانت ساحة الاختبار في أوكرانيا خارجة عن سيطرة ما يُسمّى “المجتمع الدولي”.
تشير هذه النتائج الموثقة إلى وجود أسلحة بيولوجية “شرعية” واسعة النطاق تصل إلى أعلى المستويات في الجسم السياسي الأمريكي. ولا شك في أن الروس يعتزمون فضحه بالكامل لمصلحة الرأي العام العالمي، بدءاً بمحكمة جرائم الحرب التي سيتمّ إنشاؤها هذا الصيف، على الأرجح في دونيتسك.
وعليه، يعدّ وجود برنامج أسلحة بيولوجية أمريكي في أوكرانيا أحد الأسباب الثلاثة الرئيسية التي أدت إلى إطلاق العملية الروسية، إلى جانب منع ضربة صاعقة وشيكة ضد دونباس تحت قيادة الناتو، ورغبة كييف في إعادة إطلاق سلاح نووي. وهذه هي الخطوط الحمراء الثلاثة الرئيسية التي وضعتها روسيا. لذلك يمكن أن ترتبط قوة الأدلة التي تمّ جمعها ارتباطاً مباشراً بما تمّ تفسيره على نطاق واسع على أنه خطاب تمّ قياسه بعناية في يوم النصر من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
من جهة أخرى، أعلن نائب المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي أن روسيا تطلب عقد اجتماع مفتوح لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتقديم أدلة جديدة بشأن مادة “البيولابس” الأمريكية في أوكرانيا. لكن حتى لو استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد هذا الاجتماع، فستدخل روسيا الدليل في ملفات الأمم المتحدة، إذ توفر هذه التطورات مؤشراً إضافياً على أنه لم يعد هناك مطلقاً مساحة للدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة والغرب عموماً.
الآن تراهن الولايات المتحدة على أن عضوية فنلندا والسويد في الناتو سوف تشوّه سمعة العملية الروسية، وبعد كل شيء، في المستقبل القريب، ستكون أي صواريخ تفوق سرعة الصوت أمريكية متمركزة في فنلندا والسويد قريبة جداً من سان بطرسبرغ. في هذه الأثناء، فإن كشف روسيا لمضرب الأسلحة البيولوجية سيثير قسماً ساماً من النخب السياسية في أمريكا لإطلاق شرارة حربهم، وكل هذا يتبع سيناريو محسوباً بعناية، فقد أمرت هذه “النخب” المشرفة على الأسلحة البيولوجية بقصف مكثف لدونباس من قبل السلطات في كييف في أوائل شباط الماضي، وهنا يجب التذكير دائماً أن الهدف النهائي لخطة الولايات المتحدة لتدريب الأوكرانيين على الحرب منذ عام 2014 كان إبعاد ألمانيا عن روسيا، حيث تسيطر ألمانيا بحكم الأمر الواقع على منطقة اليورو اقتصادياً. ذلك أن الهيمنة الامبريالية على المحيطات تسمح للإمبراطورية بتضييق الخناق على ألمانيا في محاولة لإخضاعها وإجبارها على قطع الطاقة الروسية عنها، تماماً كما فعل البريطانيون مع ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية عندما كان البريطانيون يسيطرون على البحار.
من الناحية النظرية، سيتعيّن على ألمانيا والاتحاد الأوروبي النظر إلى البحار، والاعتماد الكامل على الولايات المتحدة من أجل مواردهما الطبيعية. ونظام كييف، الذي يسيطر عليه عن بعد متعصبو أمن الدولة والنازيون الجدد من آزوف، يجعل الأمر أكثر صعوبة من خلال قطع جميع إمدادات الغاز الطبيعي القادم من روسيا والعبور عبر أوكرانيا إلى أوروبا، وبالتالي تقليل تدفق أكثر من الثلث. وهذا يترجم إلى ابتزاز أمريكي لإجبار الاتحاد الأوروبي على زيادة تسليح أوكرانيا ضد روسيا. لكن ستكون العواقب العملية على ألمانيا والاتحاد الأوروبي رهيبة لجهة إغلاق الصناعات وتكلفة التدفئة والكهرباء. بالمقابل، ستعتمد روسيا على متاهة من خطوط الأنابيب المقواة إلى الصين وشرق آسيا، فضلاً عن القطارات عالية السرعة لنقل جميع مواردها الطبيعية.
وإذا تمّ قطع نقل الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا تماماً فلا توجد بدائل، وهذا سيمهد الطريق لإعادة التفاوض حول مستقبل “نورد ستريم 2”. وكما يلاحظ رئيس مركز تطوير الطاقة كيريل ميلنيكوف، فإن خط أنابيب الغاز “يامال-أوروبا” غير نشط عملياً، وأحد خطوط “نورد ستريم 2” جاهز أيضاً للتشغيل، على الرغم من أن المنظم الألماني لم يصدر بعد تصريحاً بإطلاقه.
حتى في مواجهة الانتحار الاقتصادي، فإن الاتحاد الأوروبي مستعد لفعل أي شيء “للتخلي” عن النفط الروسي. ومع ذلك، فإن الحظر الشامل أمر مستحيل، بسبب نقص الطاقة في أوروبا الشرقية، إذ يعلم أي محلل غربي أن استبدال النفط الروسي أمر مستحيل لأسباب عدة: اتفاقية “أوبك +”، والخلاف المروع بين واشنطن والرياض، وإعادة التفاوض اللانهائي حول خطة العمل الشاملة المشتركة، حيث يتصرف الأمريكيون مثل “الدجاج بلا رأس”، والحقيقة الحاسمة أن المصافي الأوروبية مصمّمة لاستخدام النفط القادم من جبال الأورال.