امرأة من مسرح.. نضال الأشقر في المعهد العالي للفنون المسرحية
لم تكن دعوة الفنانة اللبنانية نضال الأشقر من قبل وزارة الثقافة والمعهد العالي للفنون المسرحية، لتحلّ ضيفةً على ملتقى الإبداع الذي يقيمه المعهد ويديره الأستاذ سعد القاسم إلا خياراً صحيحاً وموفقاً لمكان أحوج ما يكون لأمثالها باسمها الكبير وتجربتها الفنية الغنية وإخلاصها للمسرح الذي ما زالت تجول وتصول وتؤسّس لمشاريع فيه رغم بلوغها الثمانين، وقد عبّرت الأشقر في بداية لقائها مع الطلاب بعد جولة قامت بها على أقسام المعهد عن سعادتها بوجودها في سورية وعلى خشبة مسرح سعد الله ونوس بالتحديد الذي تعتبره كاتباً مسرحياً عالمياً، مبينة أنها لبّت دعوة المعهد لأهميّته كأكاديمية تدرّب الطلّاب لتخرّج منهم الأفضل، وأسعدها أن هذه النتائج شاهدتها في المعهد عندما اطلعت على ما يقومون به من تدريبات.
طالبة تحلم بأن تكون مخرجة
عادت الأشقر بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة، وهي التي تنتمي إلى عائلة سياسية، لتبيّن أنها لم تعرف المسرح في طفولتها إلا من خلال بيتهم الذي كان يشبه المسرح، حيث ترتاده الشخصيات والوجوه السياسية الكبيرة السورية واللبنانية خفية، فعاشتْ معهم بين الحقيقة والوهم والخيال، مشيرة وهي التي درست في كلية البنات الأهلية إلى أنها كانت تكتب وتخرج أعمالاً مسرحية فيها، وفي عمر السادسة عشرة تتلمذت على يد ندى البارودي التي عرّفتها على شكسبير ونصحتها بدراسة المسرح، لذلك توجّهت إلى إنكلترا للدراسة في الأكاديمية الملكية للفن المسرحي الأشهر في العالم لدراسة الإخراج، وفي هذه الأكاديمية اكتشفتْ أن المخرج الناجح يجب أن يكون على دراية كاملة بكلّ تفاصيل العملية المسرحية، وأن يكون ممثلاً، والأهم أن يمتلك الموهبة والطاقة الإيجابية، إلى جانب المثابرة والعناد الذي تحتاجهما عمليتا الخلق والإبداع، موضحة أن السنتين الأوليتين في الكلية أمضتهما بالتعرف على تاريخ المسرح العالمي والتدريب على حركة الجسد وتطويعه، انطلاقاً من أن الممثل يجب أن يُعبّر بجسده قبل شفتيه، خاصة وأن المسرح يحتاج إلى القليل من الكلام: “عندما يصبح الكلام على خشبة المسرح كثيراً يتحوّل إلى ثرثرة”، لذلك لم تكن فترة الدراسة في الأكاديمية محطة عابرة في حياتها وهي التي كانت محظوظة في فترة الستينيات حين قُبلِت فيها كطالبة تحلم بأن تكون مخرجة. وأكدت الأشقر أنها لم تفكّر في يوم من الأيام أن تبقى في إنكلترا، فما إن انتهت من الدراسة حتى عادتْ إلى بلدها لتقوم بواجبها فيه بعد أن تعلمت وامتلكت أدواتها، لذلك رفضت عروضاً كثيرة من شركات إنتاجية كبيرة عرضتْ عليها التمثيل في إنكلترا لأنها أرادت البقاء في لبنان الذي أسّست فيه محترف بيروت المسرحي مع مجموعة من الفنانين، فقدمت عشرات الأعمال المسرحية التي كان لها دور كبير في تحريك الحياة المسرحية الخاصة في بيروت، كما أسّست عام 1984 فرقة “الممثلون العرب” وكانت أول فرقة عربية مسرحية مكونة من ثلاث عشرة دولة، ومسرح المدينة في بيروت عام 1994 وقد ناضلت في سبيل استمراره على الرغم من كل الصعوبات التي واجهته، ووجّهت الأشقر دعوة لطلّاب المعهد لتقديم أعمالهم في هذا المسرح الذي ستكون أبوابه مفتوحة لأي تجربة ناجحة فيه على صعيد الرقص والموسيقا والغناء.
أصعب خيار
وأوضحت الأشقر أنها اختارتْ المسرح من بين كل الفنون في مسيرتها لإيمانها بأنه فن التغيير، ولانحيازها للعمل الجماعي المجتمعي، حيث المسرح هو الفن الوحيد الذي يلتقي فيه الجمهور والممثل، إضافةً إلى ما يتمتّع به من روحانية ليست موجودة لا في التلفزيون ولا في السينما، مع اعترافها أن خيارها للمسرح كان أصعب خيار لأنه يحتاج إلى تضحية كبيرة، مشيرة كمخرجة تستمتع بالإخراج إلى أنه من الخطأ أن يُمثّل المخرج عندما يكون مخرجاً لأن الإخراج عملية بناء لعمارة، والمخرج يجب أن يكون حاضراً وموجوداً داخل هذا البناء وخارجه، لذلك فهي تفضّل أن تكون إما ممثلة أو مخرجة، ولا يمكن أن تجمع المهمتين معاً، مؤكدة أنها كمخرجة لا تعتمد على الديكور والسينوغرافيا في أعمالها المسرحية، فكل ما يشغلها هو الممثل على الخشبة، أما الديكور فهو يُحَدَّد وفقاً لحركة الممثل وما يحتاجه، أما الأزياء فقد أكدت أنها لا تعيق الممثل على المسرح لأنها جزء أساسي في بناء الشخصية ويجب أن يتعامل معها الممثل كجزء منه على خشبة المسرح، مبينة أن المسرح ليس صورة طبق الأصل عن الحياة بل يجب أن يُقَدّم حياة أخرى وعالماً آخر، إلا إذا قرّر أصحابُه أن يكونوا واقعيين، وأكثر ما تكرهه هو الإسفاف في المسرح، مشيرة إلى أن المسرح في العالم العربي ينحسر ويتراجع، وأنه يرتكز على حرية التعبير والجسد، فمسرح دون انطلاق وحرية تعبير لا يمكن أن يكون مسرحاً، كما دعت الفنانين السوريين الذين يتألقون في الدراما التلفزيونية إلى العودة إلى المسرح وأن يستفيد المسرحيون من الخبرة الإنسانية العميقة المؤلمة التي ولّدتها الحرب القاسية على سورية ليستخدموها في المسرح بشكلٍ واقعي أو عبثي، وأنه من واجب المسرحيّين أرشفة هذه الأحداث وتقديمها مسرحياً.
سعد الله ونوس كاتب مسرحي عالمي
وتحدّثت نضال الأشقر عن الكاتب المسرحي سعد الله ونوس ككاتب مسرحي عالمي، وعن فواز الساجر وممدوح عدوان واعتبرتهم من أهم المسرحيين في سورية، مشيرة كذلك إلى فايز قزق الذي عدّته من أكبر الفنانين المسرحيين ممثلاً ومخرجاً. وعن تجربتها كمخرجة مع نصوص ونوس بيَّنت أنها كانت ترغب في تجسيد ثلاث مسرحيات له، جسدت منها “طقوس الإشارات والتحولات” التي أمضتْ أشهراً في قراءتها لتبني عليها فيما بعد مسرحية تقوم على الارتجال، في حين قامتْ على تنفيذ كل ملاحظات سعد الله ونّوس في “منمنمات تاريخية” التي تعدّها من أهم التجارب التي قدمتها، أما نصّه “الأيام المخمورة” الذي كان من المقرّر أن تنجزه فلم تفعل لأسباب كثيرة، وما زال حلم إنجازه بالنسبة إليها قائماً، كما أكدت الأشقر في المؤتمر الصحفي الذي عقدته بعد اللقاء مع الطلاب أن الصحافة كانت أكبر داعم لها منذ البدايات، وكانت تستفيد من أي انتقاد يُوَجَّه لها عبر الإعلام الذي لم يقصّر معها خلال مسيرتها وكان دائماً سنداً لها، يُعرّف بأعمالها ويبحث عن العمل الجيد لتسليط الضوء عليه في لبنان، وأنها اليوم بصدد التحضير لعمل مسرحي بعنوان “شارع الحمرا” وهو مسرح توثيقي تاريخي حديث، يوثق لذاكرة المكان الذي كان ملتقى لكبار الشعراء والفنانين.
أمينة عباس