“الرفع الأخير” للمشتقات النفطية يثير مخاوف الصناعيين بنعي صناعاتهم..!.
بمتوالية عددية غير واضحة للمواطنين، عملت الحكومة على رفع أسعار المشتقات النفطية المدعومة وغير المدعومة بشكل مستمر على مدار الأشهر السابقة بناءً على متغيرات على الساحة المحلية أو الدولية، لتصبّ هذه القرارات جلّ تبعاتها على الحياة المعيشية للمواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر، فعلى الرغم من أن القرار الصادر الأسبوع الفائت برفع أسعار مادتي البنزين والمازوت غير المدعومين – بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المشتقات النفطية عالمياً – والذي لن يؤثر على المستوى المعيشي المحلي بشكل كبير – حسب تصريحات الحكومة – إلا أنّ تأثيراته المباشرة والسلبية سبقت تعبئة أصحاب الشأن لهذه المادة بالسعر الجديد، ولاسيّما أن المتضرّر الأكبر من هذه العملية كان صناعتنا الوطنية والتي ما زالت تحاول تقديم منتجها “بشق الأنفس” خلال السنوات الأخيرة وسط خسارة كبيرة أودت بالكثير من هذه الصناعات إلى الموت السريري، وربما إلى الزوال إن استمر الوضع على هذه الحال.
الكثير من الإجحاف!
ويحمل قرار رفع سعر البنزين (أوكتان 90)، والبنزين (أوكتان 95) والمازوت الصناعي والتجاري، بين طياته الكثير من إشارات الاستفهام أمام الصناعيين الذين تقلّصت خياراتهم بالارتقاء بالمنتج المحلي، وبات همّهم تقديم منتج بعيد كل البعد عن الجودة المطلوبة لجهة تخفيض المواد الأولية الداخلة بالصناعة ورداءة نوعها، وصولاً إلى رفع سعرها في السوق المحلية بما يتوافق مع رفع سعر المشتقات النفطية وحوامل الطاقة، الأمر الذي لم يخفه الصناعي عاطف السعود الذي وجد بالإجراءات المتخذة من قبل الحكومة الأخيرة الكثير من الإجحاف بحق الصناعيين، وعدم قدرة الصناعة المحلية على مواكبة التطورات العلمية الحاصلة في جميع الصناعات، متسائلاً عما أفضت له الدراسات والرؤى والاجتماعات التي أنهكت نفسها وزارة الصناعة بإعدادها لمرحلة ما بعد الحرب، والتي كان لا بدّ أن توصل بصناعتنا اليوم إلى مستويات المنافسة العالمية، فالاستراتيجيات التي وضعت للمرحلة الراهنة والدراسات التشخيصية لواقع القطاع الصناعي العام والخاص كانت الشغل الشاغل لهذه الوزارة التي لم تدّخر جهداً اليوم في الموافقة على القرارات المُجحفة بحقنا، لتتراكم المشكلات المزمنة وصولاً إلى استنزاف وخسائر لم تعد مقبولة عند الكثير من الصناعيين المتمسّكين بالبقاء رغم المعاناة.
ركود تضخمي
كما رأى الصناعي محمد العليوي أن القرار الأخير لن يقضي على المشكلات المتمثلة بنقص المادة في السوق المحلية وغرق السوق السوداء بها، بل على العكس سنبقى ندور في الحلقة نفسها بانتظار قرار رفع جديد. وطالب العليوي الجهات المعنية بالبحث عن جوهر المشكلة وتقديم حلول واقعية لا جرعات مهدئة لا تسمن ولا تغني من جوع، لافتاً إلى أن ما يحصل اليوم من متغيّرات على الساحة العالمية يؤثر بشكل حتمي على جميع قطاعات ومناحي الحياة في جميع الدول، لكن ما نلحظه تمسّك الحكومة بأي مبرّر خارجي أو محلي واتخاذه شمّاعة لتبرير قراراتها التي يدفع ثمنها المواطن في نهاية المطاف، فأي قرار لرفع سعر حوامل الطاقة أو المواد الداخلة في أي قطاع أو صناعة أو مهنة سيُفضي إلى موجة غلاء قريبة وركود تضخمي في السوق المحلية وسط تدني القدرة الشرائية للمواطنين، ناهيك عن خروج الصناعة المحلية من دائرة المنافسة العالمية عاماً بعد عام، مع توجّه تلك الأسواق إلى شراء منتجات صناعية من دول مجاورة لنا استطاعت منافستنا بالسعر الأرخص والجودة الأكبر، الأمر الذي سنلحظه في القريب العاجل من خلال تراجع صادراتنا التي ستؤثر حتماً على الاقتصاد الوطني ككل.
خطوة جريئة
مقترحات كثيرة وضعها الاقتصاديون على طاولة الجهات المعنية للنهوض بهذه الصناعة وتوفير مستلزماتها، كان أهمها ضرورة اتخاذ خطوة جريئة وصحيحة برفع الدعم الكُليّ عن المشتقات النفطية للقضاء على ما يُسمّى السوق السوداء التي استفحلت في الآونة الأخيرة وسط غياب ضوابط رادعة لها، وإصرار الحكومة على رفع سعر المشتقات النفطية مرات أخرى وكأنها في سباق مستمر مع هذه السوق التي أضعفت مواقع قوّة صناعتنا في الكثير من المطارح، إضافة إلى أهمية الإسراع بالعمل في نظام الطاقات المتجدّدة ووضع نواظم لتخفيض تكاليف هذه الطاقة، وتجنّب الوصول إلى معدلات تضخم كارثية، ولاسيّما أن قرار الرفع الأخير سيؤدي إلى رفع سعر المنتجات أكثر من 50% -حسب الاقتصاديين- وهذا ما سيدفعه المواطن من جيبه آخر المطاف، فإلى متى يستمر هذا الوضع الذي يساهم في شلّ أطراف الصناعات المحلية ويفقدها ميزة المنافسة عربياً وعالمياً؟!
ميس بركات