“الكهرباء” تصعق المواطن!
علي عبود
تعزف وزارة الكهرباء منذ أكثر من أربعين عاماً على معزوفة نقص عدد المؤشرين لتبرير صعق المواطنين بفواتير تتجاوز دخلهم الشهري حيناً، وبعدة أضعاف هذا الدخل أغلب الأحيان!.
لم تخطط الوزارة لمعالجة هذا النقص الكبير طوال العقود الأربعة الماضية، وردها الوحيد: اعترضوا وتقدموا بطلب لتقسيط الفاتورة أو للاستفادة من نظام الشرائح!.
ولا تكتفي وزارة الكهرباء بصعق المواطنين بفواتير “خيالية”، بل لجأت في العام الماضي إلى صعقهم بفواتير أطلقت عليها (فائض استهلاك)، ولا يمكن وصف هذه الفواتير “الصاعقة” إلا أنها سرقة موصوفة “شفطت” نصف الدخل الشهري لمعظم المواطنين، أو خمسة أضعاف دخل عدد كبير منهم!.
وبما أن فواتير “فائض الاستهلاك” غير نظامية ولا شرعية، إذ لم توثقها العدادات، وإنما وضعتها وزارة الكهرباء مسبقاً وعممتها على شركات الكهرباء لتحصيلها، فإن الوزارة قطعت الطريق على المعترضين ووجّهت بعدم التحقيق في أي اعتراض على فواتير (فائض الاستهلاك)!.
ولما كانت هذه الآلية غير المسبوقة لتحسين “الجباية المالية” لا يمكن تكرارها تلافياً للتباين الفاضح بين أرقام استهلاك العدادات الفعلية والمحصل “وهمياً”، فإن الوزارة لجأت إلى الأسلوب المفضل والأفعل دائماً وهو زيادة قيمة الاستهلاك!.
وعلى الرغم من التقنين القاسي جداً فقد استلمت ملايين الأسر السورية مؤخراً فواتير “صاعقة”، وبعضها “ضرب” المستهلكين بتوتر عال من العيار الثقيل!.
ومن يتابع عمل المؤشرين كلجان الأبنية، وتحديداً النواطير المسؤولين عن فتح أبواب غرف عدادات الكهرباء، يعرف جيداً أنهم منذ عام لم يقوموا بزيارة مبانيهم، وهذا يعني أن الفواتير “الصاعقة” لا علاقة لها بالاستهلاك الفعلي، بل هي “وهمية” تم تسطيرها وفق مزاجية المؤشرين، وهي أقرب إلى ابتكار وزارة الكهرباء أي “فائض استهلاك”!.
أليس ملفتاً أن تتحدث الوزارة عن “فائض استهلاك” في زمن التقنين القاسي بالكاد تتمتع به بعض المدن والبلدات بساعات محدودة جداً من الكهرباء؟.
الملفت أكثر أن تتجاوز قيم الفواتير التي صعقت المستهلكين في الدورة الأخيرة خمسة أَضعاف مثيلاتها السابقة؟!.
ترى هل السبب هو تطبيق التعرفة الجديدة للكهرباء التي صدرت في تشرين الثاني من العام الماضي، أم أن هناك أسباباً أخرى؟.
مدير مركزي في وزارة الكهرباء برر الأمر بـ (تراكمات في قيم الفواتير لعدم قراءة العداد)، وترجمة هذا الكلام: تحميل استهلاك يعود لعدة دورات في فاتورة واحدة مقابل فواتير استهلاكها صفر تشتمل فقط على الرسوم المالية!.
حسناً، ما ذنب المستهلك ليتحمّل فواتير خيالية بفعل تقصير الكهرباء بقراءة العدادات في مواعيدها، أي كل شهرين وليس كل عام؟.
ربما على المواطنين أن يشكروا وزارة الكهرباء على زيادة ساعات التقنين، بل أن يطالبوها بتقنين أكثر وأقسى، فلو كانت الكهرباء متوفرة على مدار اليوم أو نصف اليوم لصعقتهم فواتير بتوترات لا منخفضة ولا متوسطة وإنما عالية جداً!.
هل نبالغ فيما نقول؟.
أبداً، فها هو مدير مركزي في وزارة الكهرباء يقولها بصراحة ما بعدها صراحة: إن معظم المستهلكين الذين استهلكوا 1500 كيلوواط وصلت قيم فواتيرهم بعد التعرفة الجديدة لحدود 16 ألف ليرة بدلاً من 6100 حسب التعرفة السابقة، في حين من استهلك ألفي كيلوواط بلغت قيمة فاتورته 77500 ليرة بدلاً من 12 ألفاً حسب التعرفة السابقة، في حين وصلت قيمة الفاتورة ذات الاستهلاك 2500 كيلوواط إلى 130 ألف ليرة بدلاً من 18 ألف ليرة!.
نستنتج من تصريح المسؤول الرسمي أن وزارة الكهرباء صعقت المواطنين بفواتير تراوحت الزيادة في قيمها من 2.6 إلى 7.2 أضعاف عن قيمة الفواتير السابقة، علماً أن البعض تجاوزت قيمة فاتورته الـ 500 ألف ليرة!.
وبما أن المؤشرين لا يزورون منازل المشتركين إلا نادراً أو كل عدة أشهر أو لأكثر من عام، فإن كلام الوزارة عن كون أكثر من 3.5 ملايين مشترك من إجمالي 4.5 ملايين مشترك استهلاكهم ضمن الشريحة الأولى، وقيم فواتيرهم في الدورة 1200 ليرة، يبقى كلاماً نظرياً لا يمت للواقع بصلة!.
السؤال المهم جداً: هل ستقوى ملايين الأسر السورية عند توفر الكهرباء لساعات أطول على تحمّل فواتير “ستشفط” كل دخلهم الشهري؟.
من المنطقي جداً أن تكرر وزارة الكهرباء معزوفة أن سعر الـ “ك و س” لايزال بعد رفع قيم الاستهلاك أقل من التكلفة، ولكن من المنطقي جداً أيضاً أن يسأل المواطن الوزارة: هل زادت الحكومة دخلنا كي تصعقنا بفواتير لا تقل عن ضعفي الفواتير السابقة؟.