خطط “الزراعة” تختلف عن حسابات البيدر.. مديرة التخطيط: لا يمكن إجبار الفلاح بما يزرع
دمشق- ريم ربيع
إما فائض بالإنتاج وتحوّل الموسم إلى علف أو قمامة، وإما نقص وارتفاع أسعار، هي معادلة تتكرّر مع مختلف المواسم سنوياً، يقع ضحيتها الفلاح، و”ترتبك” به وزارة الزراعة والمنظمات الزراعية، ويدفع المستهلك الثمن في النهاية، حيث تبقى الخطط “الورقية” بعيدة عن حسابات الفلاح الذي يزرع وفق رغباته ورؤيته الخاصة، في ظل ضعف البيانات والمتطلبات.
محصولا الثوم والبصل كانا ضحية هذا الموسم بعد أن فاق إنتاجهما الحاجة بأضعاف مضاعفة وتحولا إلى علف للحيوانات، فيما كان سبب إقبال الفلاحين على زراعتهما هي الأسعار المرتفعة التي سجلاها الأعوام الماضية، إذ وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من الثوم إلى 7000 ليرة، لكنه هذا الموسم وصل حتى ليباع بـ 200 ليرة، وهي حالة تكررت سابقاً تارة مع الحمضيات وتارة مع الزيتون، أو الخضار الشتوية، أو التفاح، وغيرها من المحاصيل، فلماذا لا يتمّ التخطيط بحيث يبنى على الحاجة الفعلية كي لا تتورّط كافة الجهات بمعالجة النتيجة في كل مرة؟.
للاستراتيجية فقط
مديرة التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة نازك العلي توضح في حديثها لـ”البعث” أن التخطيط كمحصول يتمّ للمحاصيل الاستراتيجية التي تتكفل الدولة بشرائها من الفلاح (القمح والتبغ والقطن والشوندر)، حيث يتمّ إبلاغ الفلاحين بالمساحات التي يجب زراعتها وتأمين المستلزمات لتنفيذ الخطة، أما باقي المحاصيل فيكون التخطيط لها كمجموعات، حيث يتمّ تحديد الخطة لمجموعة البقوليات التي تتضمن (فول، بازيلاء، حمص..) ومجموعة الخضار الشتوية، أو المجموعة الزيتية، وكل مجموعة منها تتضمن كماً هائلاً من المحاصيل، وللفلاح حرية اختيار ما يزرع من كل مجموعة، فالوزارة لا يمكنها إجبار الفلاح ماذا يزرع.
وتبيّن العلي أنه ونظراً لأهمية محصول الذرة الصفراء والحاجة له، فقد أصبح يخطّط له كمحصول مثل بقية المحاصيل الاستراتيجية، ومثله البندورة أيضاً، أما البقية فيكون التخطيط تأشيرياً لها، مؤكدة أن الوزارة تقف في صف الفلاح مهما كانت النتيجة، حيث تصرفت بسرعة بعد تكدس محاصيل الثوم والبصل ودعت لفتح باب التصدير، وهي مستعدة للتعامل مع مختلف النتائج فلا تترك الفلاح وحيداً.
ليس ملزماً
وتضيف العلي: “نعمل على توجيه وليس إلزام الفلاح بما يزرع، والهدف تحقيق الدورة الزراعية، فيما وضعنا ضمن خطة هذا العام ميزان الطلب وميزان السلع، وتمّ تحديد الاحتياجات وعرضها على الفلاحين”، موضحة أن الخطة السنوية توضع بناءً على الموازنة المائية والأراضي الصالحة للزراعة، ويتمّ تحذير الفلاحين مسبقاً إن كانت الموارد المائية المتاحة أقل حتى لا يخسروا بعد زراعة المحصول، علماً أن خطة المساحات المروية للخضار الصيفية خفضت هذا العام لنقص الموارد المائية.
نفتقد الدقة
من جانب آخر، يرى المستشار في اتحاد غرف الزراعة عبد الرحمن قرنفلة أن الفلاح يزرع وفق رؤيته الشخصية وتوقعاته في ظل غياب البيانات الدقيقة، فلا يوجد معطيات رقمية ترشد الفلاح قبل الزراعة ليعرف الحاجة من كل نوع، مبيّناً أن الالتزام بالخطط الزراعية ضعيف جداً، إذ تضع الدولة خطة لكنها لا تنفذ، لأن معظمها نظري وحسب، فالخطط الزراعية تُبنى من الأدنى للأعلى، بدءاً من الوحدات الإرشادية ثم الدوائر ثم المديريات ونهاية للوزارة، إلا أن الوحدات الإرشادية وهي الذراع التنفيذية لوزارة الزراعة تفتقر الأدوات اللازمة لعملها، وهو ما يجعل الخطط نظرية.
توقع الانخفاض
وبعد الانخفاض الكبير لأسعار الثوم هذا العام وتكدّسه لدى الفلاحين، يوضح قرنفلة أن العام المقبل قد يشهد نقصاً في المحصول بعد إحجام الفلاحين عن زراعته، مبيناً أن أهم عامل بالتخطيط هو الرقم الإحصائي الدقيق، فيما نفتقد في مؤسّساتنا الدقة بالرقم الإحصائي الزراعي، وتبنى الأرقام ضمن مغالطات لا تعطي دقة في اتخاذ القرار.
“كل يغني على ليلاه”!
ويلفت قرنفلة إلى أنه من الناحية النظرية فإن اتحاد الفلاحين وغرف الزراعة يشاركان بوضع الخطط الزراعية، أما عملياً “فكلّ يغني على ليلاه” بحسب تعبيره، ولا فاعلية لمشاركتهم وإلا لرأينا نتائج مختلفة، مشيراً إلى أن قانون إحداث غرف الزراعة ورغم عمره الذي تجاوز 60 سنة، إلا أنه متطوّر ومعاصر وضروري للمرحلة الحالية، ومع ذلك لم يطبق منه شيء.
والحل…؟
ويرى قرنفلة أن الحلّ بإيجاد رؤية واقعية للزراعة، والتدخل بسياسات التسويق بحيث نضمن للفلاح الملتزم بالخطة عائداً جيداً، لا أن يُدعى للزراعة ولا يسوق محصوله في النهاية، إضافة إلى توفير بيانات دقيقة للمزارعين، وتفعيل الإعلام الزراعي، وتشجيع الزراعة التعاقدية بحيث يزرع الفلاح وفق رؤية شركة التسوية التي تحدّد الشروط وتعوض الفلاح بأسعار مجدية، وتملك بيانات تنبؤية عن حاجة السوق المحلية والأسواق التصديرية.
تخوف الخاص
وهنا توضح مديرة التخطيط أنه تمّ طرح الزراعة التعاقدية خلال مؤتمر القطن، وأعلنت الوزارة عن مكافآت تشجيعية لأول فلاح يتعاقد مع القطاع الخاص، وتمّ جمع كل الجهات المعنية بإبلاغ القطاع الخاص بهذا التوجّه، وطرحت الوزارة استعدادها ورغبتها بالتعاقد، إلا أن “الخاص” لا يزال يتخوف من القطاع الزراعي نظراً لمخاطره المرتفعة.