مآزق أوروبا الجديدة
ريا خوري
انشغل العالم مؤخراً بقضية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إضافة إلى الانشغال الأكبر حول الحرب الروسية- الأوكرانية. فقد تمّ اعتبار انضمام الدولتين إلى “الناتو” حالة ربما تتطور إلى أن تكون أزمة ساخنة وحادة بين روسيا والغرب، وقد تكون الأشد خطورة من الوضع في أوكرانيا، بالنظر إلى استحقاقاتها وتداعياتها السياسية والعسكرية على النظام الدولي بشكل عام. وهنا التساؤل المهمّ: هل هذه الخطوة تجلب الاستقرار في العالم أم تجلب القلق؟.
يبدو من خلال ردود الفعل العالمية بشكل عام، وروسيا بشكل خاص، أن طريق فنلندا والسويد إلى عضوية “الناتو” لن يكون سهلاً وسريعاً كما يعتقد الكثيرون، وقد يسقط ضحية مساومات اللحظة الأخيرة، ناهيك عن أن دولتين على الأقل من أعضاء الناتو، هما كرواتيا وتركيا، تعارضان بشدّة هذا الانضمام، خشية أن يغيّر خارطة أوروبا جغرافياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً.
أما بالنسبة لموقف القيادة الروسية، فإن هذا الانضمام، وفق سياسة موسكو، يعدّ تهديداً مباشراً أكبر من الخطر الذي كانت تمثله أوكرانيا قبل 24 شباط الماضي، فقد بدأت العديد من الدوائر والشخصيات المهمّة في العالم تبدي توقعاتها مما يجري وما سيجري، والتي تشير إلى أن احتمال اندلاع حرب جديدة مدمّرة ليس بعيداً عن الواقع، وذلك كله سيتوقف على النتائج النهائية للعملية الخاصة الروسية في الأراضي الأوكرانية، وقد يدفع بتلك المنطقة إلى أتون صراعات وحروب كبرى لا تُحمد عقباها، قد تصل في نهاية المطاف إلى مواجهة عالمية شاملة.
إذا قبل “الناتو” انضمام السويد وفنلندا، فإن ذلك يعني أن النظام الأمني الذي بُني في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، عام 1945، سينهار تماماً، وستستعيد القارة العجوز ذكريات الحروب المدمّرة المريرة والصراعات القومية والإثنية الحادة، وتبدأ مرحلة جديدة من الضياع والتشرذم وعدم الاستقرار، لأن هذا الانضمام سيغيّر الجغرافيا السياسية للقارة الأوروبية برمتها، وسيجعلها في حالة استنفار دائم وعدم استقرار. ومن هذا المنطلق، فإن هذا الوضع الصعب والمأساوي سيصيب جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بتداعيات وخيمة، وبالتالي فإن النتائج ستكون عكسية تماماً.