بين تعاطف القانون والتقصير الاجتماعي.. مجرمون صغار يحتاجون للردع
يكاد لا يمرّ يوم إلا ونقرأ ونسمع عن جريمة وقعت هنا أو هناك، أغلبها جرائم قتل وسرقة، واللافت أن يكون بعض مرتكبي تلك الجرائم دون السن القانونية وإتقانهم أسلوب المجرمين المحترفين، وما يلاحظ أن ردّة فعل المجتمع تكون انفعالية بإيقاع أقصى العقوبات بمرتكب الجريمة وإن كان حدثاً، فالغالبية تطلب الإعدام كعقوبة تتناسب مع وحشية وبشاعة الأفعال الجرمية، وخاصة إن كانت الجريمة قتلاً أو اغتصاباً، ولكن فيما بعد يشعرون بالصدمة بعد سماعهم الحكم، فالقاصر يحكمه بعقوبة مخففة، استناداً لإجراءات تربوية وتوعوية أكثر من العقوبة كهدف!، وهذا ما يراه البعض ثغرة في القانون ويطالبون بعقوبات أشدّ لتكون رادعة وعبرة لمن يفكر بارتكاب الجريمة وخاصة من الأحداث.
تقصير المؤسسات الاجتماعية
لا شك أن الأسباب التي تدفع لارتكاب الجريمة كثيرة، وبرأي المحامية دولت إبراهيم، أن الحرب فعلت فعلها في المجتمع السوري من خلال تخريب منظومة الأخلاق والآداب ونشرها لأفكار شريرة بعيدة كل البعد عن القيم التي تربى عليها أفراد مجتمعنا، وتحمّل إبراهيم الأهل والمؤسّسات الاجتماعية المسؤولية الكبرى، كونهم مقصرين في إعداد جيل واعٍ وقادر على تحمّل المسؤولية في مواجهة الصعاب، موضحةً أن الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث قد تكون مروعة وبشعة، ولا بد من عقوبة رادعة ليتعظ كلّ أبناء الجيل ويتذكروا القانون وعقوباته الرادعة، ولكن ليس بتطبيق عقوبة الإعدام، فمهما قلنا فإن الجناة أحداث، سواء من الناحية القانونية أو العلمية، وما تمّ اقترافه يعبّر بالدرجة الأولى عن الكمّ الهائل من الانحطاط الأخلاقي، والكمّ الهائل من الإهمال من قبل الأهل الذين خرّجوا للمجتمع أبناء من هذا النوع، سواء أهل الجاني أم المجني عليهم، والذين يتوجّب عليهم تولي تشديد الرقابة على أبنائهم في كل وقت، وعدم تركهم على هواهم في الخروج من المنزل والتردّد إلى أي مكان واستخدام الانترنت والجوال بشكل عبثي حتى لا يقعوا في الندم مستقبلاً.
مسايرة ومرونة
وتؤكد إبراهيم أن القوانين يجب أن تتصف بالمرونة ومسايرة الأوضاع الراهنة وكل الحالات الخاصة، ومن وجهة نظرها كان أولى بالقانون أن يحدّد الحدث في المسائل الجنائية والتي لا تحوي معاملات مدنية بعمر الـ١٤ كحدّ أعلى، وذلك تماشياً مع ما نعيشه اليوم، ففي مجتمعنا الشاب بعمر ١٦ عاماً سيّد نفسه، وتصرفاته، وأفعاله تنمّ عن أفعال رجل، وهو لا يقيم في الغالب وزناً لأحد، فهل من المعقول بعد هذا كله أن يتصرف هذا الشاب وفقاً لما يحلو له تحت ستار أنه حدث صغير طائش لا يعرف نتيجة تصرفاته؟، وإذا كان لا يحمل الوعي الكافي، فكيف تمكّن من الاغتصاب والقتل أو دفن الجثة وإخفاء آثار الجريمة؟ وإذا كان قد خطّط لذلك مسبقاً فهو شخص خطير لديه إصرار وترصد، وإذا لم يفكر فإن انفعالاته اللحظية تصل حدوداً مرعبة ومخيفة جداً، لذا يجب علينا بالنهاية إيقاف موجة الفلتان من خلال إنزال العقاب الرادع دون شفقة أو رحمة، أو على الأقل إعطاء المجال للقاضي ليتمكّن من تطبيق حدّ أعلى للعقوبة بغض النظر عن العمر الذي هو في طور الأحداث.
مسؤولية المراكز
إن المسؤولية الجزائية في القانون السوري تحتاج إلى إدراك وحرية الاختيار، والقاصر هو صغير السن، والصغير كما نعلم يولد فاقداً للإدراك، إلا أن عقله يبدأ في النمو تدريجياً حتى يصل مرحلة الإدراك التام، والإدراك التام في القانون السوري، وفي أغلب القوانين الوضعية يبدأ في الثامنة عشرة من العمر، وفقاً لما أكده المحامي فادي محمد، موضحاً أن الأحداث ينقسمون إلى فئتين، الحدث الذي لم يتمّ العاشرة فهذا لا يُسأل جزائياً، ولا يستحق أية عقوبة، بينما الحدث الذي أتمّ العاشرة ولم يتمّ الثامنة عشرة من عمره لا يُسأل جزائياً، ولكن العقوبة تكون بفرض تدابير إصلاحية بحقه، إلا أن المشرّع استثنى من هذا الحكم الحدث الذي أتمّ الخامسة عشرة من عمره وكانت جريمته جناية، فالجناة يعاقبون عقوبات جزائية، إلا أنها تكون مخففة.
ويرى المحامي محمد أن القانون قد أصاب عندما وضع هذا الاستثناء، لكن بالمقابل ثمة سؤال يمكن طرحه هنا: هل مراكز ومعاهد الإصلاح جديرة بإعادة تأهيل هذا الحدث، وردعه مستقبلاً عن ارتكاب أفعال بشعة، وهل هي فعلاً قادرة على إعادة تقويم هذا الحدث نفسياً، وأخلاقياً؟.
السر في الأسلوب
طالما أن لكلّ فعل ردّ فعل يساويه في القوة، ويعاكسه في الاتجاه، وكذا الجرم له سبب، والمجرم له دافع لارتكاب جرمه، نتيجة عوامل وظروف عديدة، لكن هل نبرّر الفعل الإجرامي؟.
يقول المحامي معاذ عجلوني: يجب أن نتناول الظاهرة الجرمية بكل جوانبها، والغوص لاكتشاف كل جذورها، فجزء كبير من المسؤولية في وقوع الجريمة يقع على الجهات التي تتساهل وتتغاضى عما يُعرض على الفضائيات، ومواقع الانترنت الإباحية التي تعتبر المحرّض الأساسي، والأهم لارتكاب الجرائم الجنسية، ووفقاً للقانون فإن عقوبة المحرّض على الجريمة تساوي عقوبة الفاعل في الجنايات، كما يجب لحظ الدور التهذيبي لمراكز إصلاح الأحداث الجانحين لتؤدي الدور المنوط بها بإعادة تقويم سلوك القاصر، وجعله عنصراً اجتماعياً مفيداً وسوياً في المجتمع، وذلك كله يتحقق عند الفصل الصحيح بين الأحداث بما يتناسب والجرائم المرتكبة من قبلهم، فمن غير المنطقي أن يجتمع الحدث المرتكب جرم القتل مع حدث مرتكب لجنحة بسيطة كحادث سير، إضافة إلى إلزام هذه المراكز بمنهج تربوي تقويمي، والاهتمام بالتعليم المهني بما يؤهل القاصر لممارسة دوره المجتمعي المنتج في المستقبل. ويرى عجلوني أن القانون بحاجة إلى تعديل بعض مواده، ويجب أيضاً التركيز على الحدث الذي تجاوز عمره الخامسة عشرة، وكانت أدواته، وظروف جريمته، ونيّته بارتكابه للجرم تدلّ على خطورة جرمية لا تصدر عادة عن قاصر، وعدم التساهل في عقوبته، وحسناً فعل المشرّع السوري حين ألغى العقوبة الجزائية عن مرتكب جرم الاغتصاب في حال تزوّج الضحية والذي طالما كان وسيلة للتحايل على القانون والتهرب من العقوبة.
لا يحتمل الانتظار
بالمختصر، ما تمّ طرحه من آراء جدير بالاهتمام، سواء التي ركزت على ضرورة تطوير النظم القانونية لتكون رادعة، أو الإجراءات التوعوية، فبين تعاطف القانون والتقصير الاجتماعي تنشط الجريمة الخطرة بل أشكالها، ولا شكّ أن أخطرها عندما تُرتكب من قبل الأحداث، فهم ضحية للمجتمع، لذلك يبقى الرهان على أهمية الإصلاح من قبل المراكز المخصّصة لهذه الغاية ولكن بشرط أن تكون وفق مقومات تربوية صحيحة، وإلا سيبقى جيل الغد معرضاً لخطورة الانحراف، وسندفع ثمناً أكبر بعد تخرج الحدث الجانح من تلك المراكز بمرتبة مغتصب، أو سارق، أو قاتل متعدّد الأساليب!!.
بشار محي الدين المحمد