عنتريات “السلطان” ووقائع الميدان
سنان حسن
يبدو أن امتلاك تركيا الفيتو بوجه انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، وبالتالي تعطيل خطط الولايات المتحدة الأمريكية لإحكام السيطرة على أوروبا ومحاصرة الاتحاد الروسي، دفع نظام رجب طيب أردوغان الإخواني إلى الاعتقاد بأن الظروف باتت مواتية لشنّ عدوان جديد على سورية واقتطاع أراضٍ منها لتحقيق حلمه في إنشاء المنطقة الآمنة التي نادى بها منذ اليوم الأول للحرب عليها، فالعالم اليوم منشغل بالعملية الروسية الخاصة لحماية دونباس في أوكرانيا من جهة، وبالسجال الأمريكي الصيني حول تايوان وأمن المحيطين الهادي والهندي من جهة أخرى، ولكن هل يستطيع أردوغان بالفعل شنّ عدوان كهذا دون ضوء أخضر أمريكي؟، أم أن التهويل بالعدوان هو من باب تأدية الدور المنوط به من سيّده الأمريكي وكسب المزيد من المزايا في ملفات أخرى؟.
لقد شكّلت العملية الروسية الخاصة في دونباس نقطة كاشفة وفاصلة في الاصطفافات، حيث انقسموا بين مؤيد للعملية ومبرراتها، من أصدقاء روسيا ودعاة العالم المتعدّد الأقطاب، ورافضٍ لها بقيادة واشنطن وحلفائها، وعادت الأجواء السياسية الدولية إلى أيام الحرب الباردة وسعي الفريق الغربي بقيادة أمريكا إلى كمّ أفواه كل الدول الممانعة لسياستها في العالم أيّاً كان موقعها وتاريخها، وفي ظل هذه الأجواء المشحونة ظن أردوغان أن مناورته المكشوفة برفض الالتزام بفرض عقوبات على روسيا (40% من احتياجاته النفطية من روسيا) وسعيه لأن يكون وسيطاً بين موسكو وكييف، تجعله قادراً على تمرير مخططاته في سورية وغيرها دون أي معارضة تذكر.. لذا بدأ بالترويج لعدوانه من بوابة إعادة مليون ونصف المليون لاجئ سوري إلى بلادهم وإنشاء مناطق سكنية لهم على الحدود السورية التركية والترويج لها على أنها الخلاص لمشكلة اللاجئين، وقيام أزلامه في حزب العدالة الإخواني وبحماية مباشرة من جبهة النصرة الإرهابية بتدشين تلك المجمعات السكنية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، استثمر في مسألة انضمام فنلندا والسويد بإعلانه رفض دخولهما إلى الحلف إلا إذا قبلوا بشروطه التي سرّبها للإعلام لأخذ موافقة عليها، ومنها إنشاء ما منطقة آمنة في سورية كثمن مقبول لذلك. ولكن ماذا عن الطرف الآخر سورية وحلفائها، هل نسي أردوغان أنهم على الأرض؟.
لقد ردّت سورية عبر خارجيتها على تصريحات أردوغان الرخيصة، مؤكدة انكشاف الألاعيب العدوانية التي يرسمها هذا النظام ضد سورية ووحدة أرضها وشعبها.. وأن المساومات الدنيئة التي قام ويقوم بها النظام التركي تظهر انعدام الحد الأدنى من الفهم السياسي والأخلاقي للتعامل مع الأزمة في سورية، لأن النظام التركي كان وما زال جزءاً من تفجيرها واستمرارها وذلك من خلال تآمره على سورية وانخراطه بمشروع تفتيتي تقسيمي لا يخدم إلا أغراض (إسرائيل) والولايات المتحدة والغرب.
على مدى العشرية السوداء في سورية كان وما زال نظام أردوغان الإخواني رأس الحربة والمحرّك الأول للمشاريع والمخططات التي تستهدف وحدة أراضي سورية وسيادتها من خلال دعمه وإيوائه المجموعات الإرهابية وتدريبها وتمويلها، واليوم بإعلان المجرم أردوغان عن ذريعة جديدة للعودة إلى تنفيذ حلمه في سورية، يبدو أننا مع مغامرة جديدة سيكون لها أوخم العواقب على السلطان وحزبه. فالوقائع والتغيّرات الميدانية على الأرض تؤكد أن مفاجآت كبيرة تنتظره، وما كان يتغنى به بات يتهاوى في أجواء المدن الأوكرانية.. فهل يتعظ أردوغان وأزلامه أم سيكون للميدان الكلام الفصل.. لننتظرْ ونرَ..