صحيفة البعثمحليات

“جدري القرود”.. الصحة العالمية لم تعلنه وباء حتى اللحظة!

دمشق – حياة عيسى

تجييش إعلامي كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي لانتشار جدري القرود الذي لم تعلنه منظمة الصحة العالمية وباء حتى اللحظة كونه مرضاً نادراً يحدث أساساً في المناطق النائية من وسط أفريقيا وغربها بالقرب من الغابات الاستوائية الماطرة، وينتقل إلى البشر من فئة متنوعة من الحيوانات البرية، لكن انتشاره على المستوى الثانوي محدود من خلال انتقاله من إنسان إلى آخر.

عضو اللجنة الاستشارية للتصدي للأوبئة في وزارة الصحة الدكتور عصام انجق بيّن أنه لا يوجد أي علاج أو لقاح متاح لمكافحة المرض، رغم أن التطعيم السابق ضد الجدري أثبت نجاعة عالية في الوقاية أيضاً من جدري القرود، علماً أنه مرض فيروسي نادر وحيواني المنشأ (ينقل فيروسه من الحيوان إلى الإنسان)، وتماثل أعراض إصابته للإنسان مع تلك التي كان يشهدها في الماضي المرضى المصابون بالجدري، لكنه أقل شدة، وأشار إلى أن الجدري كان قد استؤصل في عام 1980، إلا أنه لايزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء أفريقيا، وفيروس جدري القرود ينتمي إلى جنس الفيروسة الجدرية التابعة لفصيلة فيروسات الجدري، ولفت إلى أنه كشف لأول مرة عن هذا الفيروس في عام 1985 بالمعهد الحكومي للأمصال الكائن في كوبنهاغن، الدانمارك، أثناء التحري عن أحد الأمراض الشبيهة بالجدري فيما بين القردة.

انتقال المرض

وأوضح انجق أن العدوى بالمرض تنجم عن الحالات الدالة على مخالطة مباشرة لدماء الحيوانات المصابة بعدواه أو لسوائل أجسامها أو آفاتها الجلدية أو سوائلها المخاطية، وقد وثّقت في أفريقيا حالات عدوى نجمت عن مناولة القردة أو الجرذان الغامبية الضخمة أو السناجب المصابة بعدوى المرض، علماً بأن القوارض هي المستودع الرئيسي للفيروس. ومن المحتمل أن يكون تناول اللحوم غير المطهوة جيداً من الحيوانات المصابة بعدوى المرض عاملاً خطراً يرتبط بالإصابة به، ويمكن أن ينجم انتقال المرض على المستوى الثانوي أو من إنسان إلى آخر عن المخالطة الحميمة لإفرازات السبيل التنفسي لشخص مصاب بعدوى المرض أو لآفاته الجلدية، أو عن ملامسة أشياء لوثت مؤخراً بسوائل المريض أو بمواد تسبب الآفات، وينتقل المرض في المقام الأول عن طريق جزيئات الجهاز التنفسي التي تتخذ شكل قطيرات تستدعي عادة فترات طويلة من التواصل وجهاً لوجه، ما يعرّض أفراد الأسرة من الحالات النشطة لخطر الإصابة بعدوى المرض بشكل كبير، كما يمكن أن ينتقل المرض عن طريق التلقيح أو عبر المشيمة (جدري القرود الخلقي)، ولا توجد حتى الآن أية بيانات تثبت أن جدري القرود يمكنه الاستحكام بين بني البشر بمجرد انتقاله من شخص إلى آخر، لاسيما أن الدراسات التي أجريت مؤخراً عن الحيوانات في إطار بحث نموذج حددت انتقال جدري القرود من كلاب البراري إلى الإنسان في  طورين مختلفين من الفيروسات، أولها طور فيروسات حوض نهر الكونغو، وطور فيروسات غرب أفريقيا، علماً بأن الطور الأول أشد فوعة.

تشخيص المرض

أما بالنسبة لتشخيص المرض فقد أشار انجق إلى أنه يشتمل على التشخيصات التمايزية التي يجب أن ينظر في إجرائها على أمراض أخرى مسببة للطفح، من قبيل الجدري والجدري المائي والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية، ويمكن أن يكون تضخم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه عن الجدري، ولا يمكن تشخيص جدري القرود بشكل نهائي إلا في المختبر، حيث يمكن تشخيص عدوى الفيروس بواسطة عدد من الاختبارات المختلفة كـ: (المقايسة المناعية الأنزيمية، اختبار الكشف عن المستضدات، مقايسة تفاعل البوليميراز المتسلسل، عزل الفيروس بواسطة زرع الخلايا).

العلاج واللقاح

بالنسبة للعلاج أكد انجق أنه لا توجد أية أدوية أو لقاحات محددة متاحة لمكافحة عدوى جدري القرود، ولكن يمكن مكافحة الفاشيات، وقد ثبت في الماضي أن التطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85% في الوقاية من جدري القرود، غير أن هذا اللقاح لم يعد متاحاً لعامة الجمهور بعد أن أوقف التطعيم به في أعقاب استئصال الجدري من العالم، ورغم ذلك فإن من المرجح أن يفضي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى أن يتخذ المرض مساراً أخف وطأة، مع تأكيده أن المخالطة الحميمة للمرضى أثناء اندلاع فاشيات جدري القرود البشري من أهم عوامل الخطر المرتبطة بالإصابة بعدوى الفيروس المسبب للمرض، وفي ظل غياب علاج أو لقاح محدد لمكافحته، فإن الطريقة الوحيدة للحد من إصابة الناس بعدواه هي إذكاء الوعي بعوامل الخطر المرتبطة به، وتثقيف الناس بشأن التدابير التي يمكنهم اتخاذها من أجل الحد من معدل التعرّض له، ولا غنى عن تدابير الترصد والإسراع في تشخيص الحالات الجديدة من أجل احتواء الفاشيات، متابعاً أن الحد من خطر انتقال العدوى من إنسان إلى آخر تأتي من ضرورة تجنب المخالطة الجسدية الحميمة للمصابين بعدوى جدري القرود، ولابد من ارتداء قفازات ومعدات حماية عند الاعتناء بالمرضى، كما ينبغي الحرص على غسل اليدين بانتظام عقب الاعتناء بهم أو زيارتهم.

يشار إلى أن أفضل طريقة للحد من خطر انتقال المرض من الحيوانات إلى البشر تتمثّل بتركيز الجهود المبذولة للوقاية من انتقال الفيروس في البلدان الموطّنة به على طهو كل المنتجات الحيوانية (الدم واللحوم) بشكل جيد قبل أكلها، كما ينبغي ارتداء قفازات وغيرها من ملابس الحماية المناسبة عند مناولة الحيوانات المريضة أو أنسجتها الحاملة للعدوى، وأثناء ممارسة ذبحها، إضافة إلى ضرورة تطبيق العاملين الصحيين التحوّطات المعيارية في مجال مكافحة العدوى عندما يعتنون بمرضى مصابين بعدوى يشتبه بها أو مؤكدة من فيروس جدري القرود، أو يناولون عينات تجمع من أولئك المرضى، مع التأكيد أن سورية حتى اللحظة خالية من العدوى تماماً، ولم تشهد أية إصابة، وفي حال ظهرت حالات سيتم التعامل معها وفق البروتوكولات العلاجية العالمية، ووفق خطط ودراسات علمية ممنهجة.