النهاية الحتمية لسياسة “الغموض الاستراتيجي”
ريا خوري
مع استمرار المعارك في أوكرانيا، بدأت الكرة تتدحرج باتجاه جزيرة تايوان التي تعتبر محور جنوب شرق آسيا، فقد انطلقت الشرارة من خلال التصعيد الكلامي الذي بدأه الرئيس الأمريكي جو بايدن في جولته الأسيوية،والتي شدّد أثناء زيارته لكل من اليابان وكوريا الجنوبية على أن منطقة المحيطين الهندي والهادي وآسيا تشكل ساحة معركة أساسية، وأن سياسة بلاده تجاه تايوان ما زالت قائمة على ما يعرف بـ “الغموض الاستراتيجي”، بل زاد على ذلك أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً الى جانب تايوان في أي معركة مستقبلية.
لم تكن تلك التصريحات سوى خطوة عدائية جديدة ضد الصين تحمل الكثير من التصعيد غير المسبوق، والتلويح بالقوة العسكرية الذي قد يخلِّف تداعيات خطيرة على المنطقة لا تحمد عقباها. لقد استعرض الرئيس الأمريكي في معرض تصريحاته الاستفزازية العديد من القضايا التي تبين حدّة الخلاف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ذاكراً ما جرى من محادثات بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ حول استمرار تواجد القوى العسكرية في المحيطين الهادي والهندي، وأنّ الصين تملك تلك القوة دون الاكتراث لقوة الولايات المتحدة الأمريكية. لكن جو بايدن كرر أكثر من مرة أن الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة بالمحيط الهادئ من خلال ارتباطه بجزء من الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة تتفاعل مع الصين منذ فترة طويلة.
لم يدرك الرئيس جو بايدن أنه تسبب من خلال حديثه هذا ببعض الحرج لعدد كبير من القادة الأمريكيين وخاصة الديمقراطيين منهم الذين يتجنبون التدخل المباشر في الصراعات العسكرية، ويفضلون إدارة الحروب والأزمات بالوكالة أو عن بعد. كما لم يتأخر رد القيادة الصينية، إذ سرعان ما حذرت الولايات المتحدة الأمريكية من اللعب بالنار، وجددت التأكيد على أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، ولا مجال أبداً للتهاون أو تقديم تنازلات في أمور تتعلق بالسيادة الصينية مهما كلف الأمر. وشددت القيادة الصينية في الوقت نفسه على أنه لا ينبغي لأي كان أن يسيء تقدير عزيمة الشعب الصيني القوية والحازمة وإرادته الصلبة في الدفاع عن السيادة الوطنية الصينية وسلامة أراضي الصين.
ليس خافياً على أحد أن الولايات المتحدة قدمت أسلحة عسكرية متطورة لتايوان بما لا يقل عن سبعين مليار دولار، ومع ذلك فإن حديث الرئيس جوبايدن وتهديداته المباشرة وتنشيطه وتفعيله لتحالف (كواد) الأمريكي الياباني الهندي الأسترالي سيقابلها تفعيل تحالف آخر، بحسب الخبراء، يضم روسيا والصين وكوريا الديمقراطية. وبات من الواضح أن المصالح الصينية- الروسية التي تقاربت كثيراً قبل الحرب الأوكرانية وخلالها، باتت تتجه بشكل متسارع نحو قيام تحالف حقيقي وعملي يضم أيضاً كوريا الديمقراطية، ما يشكل قوة عسكرية واقتصادية هائلة، لا يمكن الاستهانة بها أبداً، وعندها لن تنفع سياسية “الغموض الاستراتيجي”.