“كامل ومكمّل”
علي بلال قاسم
يضيق بعض الموظفين والكثير من فئة المديرين، ولاسيما من يتهم نفسه ويتوهم أنه بالدارج “معلم” وحريف و”فهمان”، ذرعاً من مجرد طرح فكرة الخضوع للتدريب والتأهيل، على اعتبار أنه وبخبراته وإمكانياته أرفع وأعلى من مستوى “مقاعد التلمذة”، في إشارة إلى “الأستذة” التي وصل إليها، والتي تفرض التعالي عن التعلم واكتساب الجديد وإضافة الأفكار المبتكرة للمعارف تجنباً للتكرار والوقوع في شرك النمطية والتقوقع على الذات بعيداً عن التطوير وتنمية المواهب والخبرات واكتساب كل شيء جديد.
حالة التململ هذه التي نتابعها عند الكثير من المستويات الإدارية والمناصبية، أكثر من الإنتاجية والكوادر الفنية والعلمية، تعد الوجع الذي يصيب المفاصل والمؤسسات، ولاسيما ذات طبيعة العمل المهمة التي تقتضي إلماماً ودراية علمية وعملية تقدمها الدورات وبرامج التأهيل التي تعدها بيوت الخبرة والدور المتخصصة بإعادة صقل وتحريض الأفكار والعلوم المهنية التي تقدم قيمة مضافة للأداء وللمنتج النهائي، سلعة كانت أم خدمة أو غيرهما.
ولا ندري صراحة أين العيب والخطأ، لا بل و”الإهانه” في خضوع هذا الموظف أو ذاك المدير والمسؤول، حتى ولو كان من درجة وزير، للتدريب والاستفادة من الكفاءات التي يمتلكها أكاديميون ومتخصصون محليون، وحتى مستوردون من الخارج؟
قد يبدو الأمر مرتبطاً بثقافة سلبية جداً مردها النقص الذي لا يحبذ معظم الكوادر أن تظهر عليه، في وقت يأخذ البعض الموضوع باستخفاف وعدم اكتراث، وبسخرية مجتمع المؤسسات الذي يخلق أجواء التندر غير المهضومة بحق من يرى في التعلم فرصة يجب اقتناصها، لا التهرب منها، في دلالة واضحة على الجهل والفشل والفراغ في جمجمة الرأس؟
أذكر منذ سنوات طوال، شحذت الحكومة آنذاك الهمم وأخضعت معظم مدراء المؤسسات والشركات وحتى المحافظين ومعاوني الوزراء لدورات تدريبية مكثفة وبرامج معدة مسبقاً لا تستثني أحداً.. آنذاك، لم يتخلف أحد، لا بل لم يتجرأ أحد أن يتغيب، لأن التوجيه للجميع يعني للجميع.. وقتها كان الكل على مقاعد الدراسة طلاب علم وتلاميذ دراسة لا ينقصهم إلا التكليف بالوظائف البيتية. وفيما بعد، تبين الصالح من الطالح والراغب بالاستفادة من غيره وبقي الشطَّار والأدمغة ورحل بعض فارغي الرؤوس وبقي آخرون لأسباب يعرفها كثيرون ..؟
المفارقة في ملف التدريب والتأهيل أن مدراءنا يتعففون عن الدورات والتكليفات التدريبية الداخلية والمحلية، في حين يلهثون ويحتكرون المهمات الخارجية التي تعني “سفراً وبعثة وسياحة”، والأهم “إذن سفر بالدولار” و”تعويض اغتراب” ومبلغا محترما، فالحكر هنا للمدير فقط لأنه “المخ” الوحيد الذي سيجلب الخير لمؤسسته. أما داخلياً، فالتكليف لا يليق بالمسؤول “الكامل المكمل”، والحصة للعامل والموظف قليل الخبرة من وجهة نظر أولي الأمر وقادة المؤسسات “فطاحل الإدارات والمؤسسات الرسمية”؟!