زلات لسان وضحكات بنكهة الدم!
سمر سامي السمارة
سمع الجميع زلة لسان رئيس الولايات المتحدة الأسبق، ومجرم الحرب “غير المدان” جورج دبليو بوش، عراب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وصاحب المغامرات الدامية التي لا يمكن وصفها.
ففي معرض حديثه عن الحرب الروسية في أوكرانيا، خلال حفل نظمته مؤسسته في تكساس، أدان بوش “غياب الضوابط والتوازنات التي مكّنت رجلاً واحداً من شنّ غزو وحشي غير مبرر على العراق”، لكنه سرعان ما استدرك خطأه، فهز رأسه مصححاً نفسه بأنه كان يقصد أوكرانيا.
على أي حال، قوبلت زلة اللسان هذه بالضحك من الجمهور الذي كان متواجداً في الحفل –وبضحكه أيضاً- ملقياً بالخطأ في الخلط بين العراق وأوكرانيا على عمره البالغ خمسة وسبعين عاماً.
في الحقيقة، إبادة أمة ليس بالأمر المضحك، وقتل مئات الآلاف من المدنيين العراقيين، والتهجير القسري الذي طال الملايين، فضلاً عن إغراق البلاد بالذخائر والمواد السمية والمشعة التي تتسبّب حتى يومنا هذا بتشوهات خلقية، وإصابات بالسرطان، وجميع أنواع الأمراض الأخرى بعد حوالي عقدين من الزمن على إطلاق “الغزو الوحشي وغير المبرر على الإطلاق”، من المؤكد أنها غير مضحكة.
لذا يحق لنا أن نتساءل عن حجم الرعب الذي سيترتب على ذلك، لو أن شخصاً ليس أوروبياً أو أمريكياً، ألقى نكتة حول هجمات 11 أيلول، على سبيل المثال، أو بعض الأحداث الأخرى التي تتضاءل مقارنة مع حجم المعاناة الإنسانية والدمار المادي الذي تسبّبت به الحرب على العراق؟.
لكن يبدو أن ديمقراطيتهم المزعومة تعطي الحق لبوش وجمهوره، بموجب الاستحقاق الإمبراطوري، في الضحك عند الإشارة إلى المذابح الجماعية لغير الأوروبيين، كما لو كانت مجرد دعابة تنتقص من الذات ليس أكثر.
بالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يقول فيها بوش عن غير قصد شيئاً يكشف بعمق عن نزعته العدائية، ففي عام 2006، على سبيل المثال، قال في مقابلة مع أخبار المساء لقناة “سي بي إس”: “كما تعلمون، أحد أصعب أجزاء عملي هو ربط العراق بالحرب على الإرهاب”.
كما أنها ليست المرة الأولى، ففي عام 2004، خلال الاحتفال السنوي الذي يُعرف باسم حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض، تحدث بوش مازحاً وسط الضحك والتصفيق، عن عرض شرائح يظهر صورة له وهو ينظر تحت الأثاث في المكتب البيضاوي بحثاً عن “أسلحة الدمار الشامل، هذه يجب أن تكون هنا في مكان ما” استناداً إلى عدم العثور عليها على الإطلاق في العراق.
جدير بالذكر، كان هذا بعد عام واحد فقط من بدء الحرب التي كان من المفترض أن تنقذ العالم من التهديد المروع لترسانة أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة.
في نيسان 2004، كتب ديفيد كورن الصحفي المخضرم والمحرّر العريق في مجلة “نيشن” الأمريكية رسالة إلى المجلة بعنوان “الضحك مع بوش”، خلال الاحتفال السنوي لمراسلي البيت الأبيض. كتب كورن: “أمام جمهور من الناس الذين يفترض أنهم يقضون أيامهم في متابعة الحقيقة، ألقى بوش نكتة بشأن الأخطاء -إن لم تكن الأكاذيب- التي استخدمها لإقناع الشعب الأمريكي ووسائل الإعلام”. بعبارة أخرى، كان الموقف برمته مزحة، وإن لم تكن مضحكة على الإطلاق!.
في الحقيقة إنها ليست المرة الأولى التي يحتضن فيها حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض السنوي، نوبات أخرى من دعابات الرؤساء والتي لم تكن كذلك، إذ تحدث الرئيس أوباما مازحاً عن الأسلحة والحرب، بعد ست سنوات، بما يفتقر إلى الطرافة أيضاً، قطب أوباما حاجبيه حين همّت فرقة البوب “جوناز برذرز” بالغناء في الغرفة المكتظة، ووجه إلى أعضائها تحذيراً بالابتعاد عن ابنتيه، قائلاً: “تعجب ساشا وماليا بكم كثيراً، ولكن احذروا أيها الفتية من أن تراودكم أي أفكار، لديّ كلمتان لكم: طائرات البريديتور، لن تتوقعوا قدومها أبداً”.
بصرف النظر عن أن الطائرات العسكرية الأمريكية كانت في ذلك الوقت، كما هي الحال الآن، مرتبطة بالقتل العشوائي للمدنيين في مختلف الأراضي الأجنبية، في النهاية تحقق هذه النكات الرئاسية نوعاً من الأعمال الوحشية، المقّنعة في صورة الابتذال الذي يدغدغ بشكل انعكاسي هيكل أمريكا المضحك.
في هذه الأثناء، على الرغم من الضجيج الدائم الذي يحيط بخطر أسلحة الدمار الشامل، يبدو أن قادة الولايات المتحدة غالباً ما يجدون مفهوم الدمار الشامل نفسه مضحكاً بكل معنى الكلمة. ويمكننا تذكر ذلك الصباح في شهر آب 1984 عندما أدلى رونالد ريغان بنكتة مثيرة للجدل حول قصف روسيا، وذلك أثناء اختبار ميكروفون قبل خطاب إذاعي، قائلاً: “رفاقي الأمريكيون، يسعدني أن أخبركم اليوم أنني وقعت على قانون يحظر روسيا إلى الأبد، نبدأ القصف في خمس دقائق”.
يتشارك حلفاء الولايات المتحدة أيضاً، روح الدعابة والذكاء المحتملين –فضلاً عن مشكلات الميكروفون- فقد التقط ميكروفون غير مراقب المزاح بين بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، شريكه المتواطئ في الحرب على العراق في تموز عام 2006، خلال مؤتمر مجموعة الثماني في روسيا. وبعد أقل من أسبوع على انخراط الكيان الإسرائيلي بحملة قصف على الأراضي اللبنانية، استمرت 34 يوماً أسفرت في النهاية عن مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، خاطب بوش نظيره بلير، فضحكا مطولاً قبل أن يشرعا في مناقشة إراقة الدماء في لبنان، والتي من وجهة نظر بوش يمكن إيجاد حلّ لها، ليس من خلال حمل “إسرائيل” على وقف ذبح الناس، ولكن بدلاً من ذلك عن طريق حمل حزب الله الذي كان يقاوم الاحتلال للتوقف عن القيام بذلك!.