“الإعلام الإخباري”.. نظام الدعاية الغربي المسيس ضد روسيا
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
عندما تشعر أنك في مواجهة المزيد من إسقاط التهم العبثية، وحملات التشهير العلنية، فإعلم أنك أمام القوى الغربية التي تتفوق على نفسها في النفاق والتضليل، وذلك من خلال تصوير روسيا على أنها الأكثر وحشية، إذ تتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي،عبر مكناتها الإعلامية روسيا باستخدام صادرات الغذاء والجوع العالمي كسلاح.
في ما مضى اتهمت القوى الغربية نفسها، روسيا بتحويل تجارة الطاقة والتدفقات الجماعية للاجئين إلى سلاح في شن “حرب هجينة” وحشية من أجل “تقويض الديمقراطيات الغربية”، متناسية عن عمد، أن روسيا كانت لعقود من الزمان مورداً موثوقاً للنفط والغاز الاقتصادي إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يُعتبر في غاية الأهمية للوجود الحضاري للإتحاد.
حتى أن موسكو، برغم التوترات الجيوسياسية الأخيرة والتهم التي تلفقها القوى الغربية لروسيا، قدمت ضمانة لتسليم كامل مواردها الهيدروكربونية المتعاقد عليها، وذلك لدفع اقتصادات أوروبا إلى الأمام، وتدفئة الأسر الأوروبية.
ومنذ فترة طويلة، لجأت روسيا للاستثمار في تطوير البنية التحتية لتعزيز دورها الاستراتيجي كمورد للطاقة إلى أوروبا. ومع ذلك، حتى عندما توفر روسيا بنية تحتية أكثر موثوقية لخطوط الأنابيب في شكل “نورد ستريم 2” تحت بحر البلطيق، لا تحصد سوى المزيد من الاتهامات والإدعاءات الوقحة، حول تحويلها الطاقة إلى سلاح.
يظهر واقع الحال إن الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية التابعة لها، هي من تستخدم الموارد الحيوية كسلاح، حيث لجأت لتسييس العلاقات الاقتصادية لأسباب إستراتيجية أنانية، تؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة التوترات الحربية الخطيرة والصراعات، كما تُعرض رفاهية المواطنين العاديين للخطر.
وبنفس الطريقة تم اتهام موسكو، عندما كانت أوروبا تواجه أزمة هجرة في السنوات الأخيرة من ملايين النازحين الفارين إلى الاتحاد الأوروبي من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “بتحويل اللاجئين إلى سلاح “.
من المؤكد، أن الحروب التي يشنها حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، كانت السبب الرئيسي لتهجير ملايين المدنيين من ليبيا وسورية والعراق وأفغانستان، فضلاً عن بلدان أخرى. ومع ذلك، لا تتوانى الدول الغربية عن إلقاء اللوم على روسيا، واتهامها بتحويل الهجرة الجماعية الهائلة إلى سلاح يهدف لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي.
بالرغم كل هذه الإدعاءات، فإن واقع الحال يؤكد أن التدخل العسكري الروسي لدعم سورية ضد الحرب السرية برعاية الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في الناتو، هو الذي وضع حداً لتلك الحرب الإجرامية. فلو تمكنت الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو من تدمير المزيد من المناطق في سورية، كما فعلوا في أماكن أخرى، فمن المنطقي الافتراض أن أعداد اللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا كانت ستصبح أكبر.
تستند إدعاءات الغرب حول قدرة روسيا على “الحرب الهجينة” إلى تحيز دنيء بين القوى الإمبريالية الغربية، يتردد صداه في نظام الدعاية الغربية المسيس والمعروف باسم “الإعلام الإخباري”. لذا فإن اتهام موسكو وخاصة الرئيس بوتين بمثل هذه المكائد الشائنة، هو خيانة تمارسها العقول المريضة -المهوسة برهاب روسيا- والتي تسود القوى الغربية، فضلاً عن حالة الإسقاط الناجمة عن الشعور بالذنب سواء أكان ذلك عن إدراك أو عن عدم إدراك. أي أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو يتهمون روسيا بالجرائم ذاتها التي ارتكبوها على نطاق عالمي.
وهكذا، نصل الآن إلى أحدث تجل من مظاهر التفكير المزدوج الخبيث والنفاق، حيث يتهمون روسيا بتجويع العالم، فقد وجه كل من وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين مؤخراً، اتهامات لموسكو بأنها كانت تمنع تصدير القمح والمواد الغذائية الرئيسية الأخرى إلى السوق العالمية، مما تسبب في حدوث نقص حاد، وتضخم في الأسعار. وهذا بدوره يسبب الجوع في العالم، لا سيما بين البلدان الفقيرة التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، حيث حذرت الأمم المتحدة من أزمة غذاء عالمية وشيكة.
وبصورة مشؤومة، حثت هيئة تحرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الولايات المتحدة وحلفائها على التدخل البحري لـ “مرافقة السفن” في البحر الأسود، الأمر الذي سيعطي الضوء الأخضر لقوى الناتو للجوء إلى التصعيد العلني المبني على ذريعة كاذبة مماثلة للذرائع السابقة لـ “حماية حقوق الإنسان”، وهي أن حلف الناتو يخوض الحرب لإطعام جياع العالم!.
من المؤكد أن الحرب في أوكرانيا، أثرت على الصادرات الهامة للقمح ومنتجات الحبوب الأساسية الأخرى، حيث تمثل روسيا وأوكرانيا حوالي ثلث إمدادات العالم من القمح، لكن وصول الشحنات البحرية للسلع الزراعية وغيرها من السلع الأساسية الأخرى في البحر الأسود، تعرقل منذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قبل أكثر من ثلاثة أشهر.
هذا ما تحاول القوى الغربية ترويجه، لكن في الحقيقة، إن سياسة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المتمثلة في تسليح النظام الأوكراني اليميني المتطرف لمهاجمة الشعب الروسي، وزعزعة استقرار موسكو، هي من تسببت بهذا الصراع بشكل أساسي. ولم يصدر الأمر بالعملية العسكرية، إلا بعد ثماني سنوات من الاستفزازات المميتة، ودرء للأثار السلبية للعداء المتزايد.
لذا، فإنه في حال توقفت الصادرات الزراعية وتأثرت الأسعار العالمية، ينبغي إناطة المسؤولية على القوى الغربية في تأجيج الحرب بتهور في المقام الأول. بالإضافة إلى أن تلغيم مينائي ماريوبول وأوديسا من قبل النظام المدعوم من الناتو في كييف هو الذي تسبب بإعاقة السفن المدنية، وهو تصرف يعتبر سلوكاً إجرامياً من جانب الناتو، وليس روسيا. فضلاً عن كذب وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين حول الشكوى من أن روسيا تتعمد الاحتفاظ بصادرات القمح والأغذية الأخرى.
تُظهر مجريات الأحداث، أن روسيا تتعرض لحرب اقتصادية على شكل عقوبات غير قانونية، وأحادية الجانب للتأثير على قدرتها لإتمام المعاملات المالية الدولية، حيث تجد روسيا نفسها في “تحدٍ وجودي” من القوى الإمبريالية الغربية التي تشن “حرباً شاملة” لتدميرها. ومع ذلك، لا تخجل هذه الدول باتهام روسيا بعدم تصدير المواد الغذائية إلى بقية العالم.
تكشف القوى الغربية المتغطرسة، عن عقلية تشبه عقلية لص يوبخ صاحب منزل لعدم ترك الأبواب والنوافذ مفتوحة على مصراعيها. لذا يمكن القول، إن الطبقة الغربية الحاكمة هي التي تشن “حرباً هجينة” ضد روسيا والصين وغيرهما، حتى ضد شعوبها. وإذا كان لدى القوى الغربية أي قلق بشأن الأمن الغذائي والجوع – وهي بالتأكيد غير معنية- فلماذا توجه أسلحة بمئات المليارات من الدولارات إلى أوكرانيا لتكثيف الصراع؟.
في الحقيقة، تعمل واشنطن وأتباعها الأوروبيون عن عمد، على إحباط أي حل سياسي ودبلوماسي للصراع في أوكرانيا وعلى نطاق أوسع مع روسيا. ومن المؤكد أنهم المسؤولين عن تعريض كوكب الأرض للخطر، ليس فقط من خلال التجويع الجماعي، ولكن أيضاً من خلال حرب عالمية، يرى مراقبون أنها وشيكة.