تهديدات أردوغان بغزو سورية.. معادلات دولية أم تصدير أزمات؟
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
عندما يرفع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان سقف تهديداته، فهذا لأنه غارق في مشكلات لا حصر لها سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي، وما يتلوها من أزمات اقتصادية هي المفصل في حياة الرئيس الذي بات المسؤول الأول عن انهيار اقتصاد بلاده. منذ أيام هدّد أردوغان بغزو سورية بعد الدخول غير المشروع في تشرين الأول 2019، وكانون الثاني 2018، الذي كان السبب في تطهير عرقي كبير لكل المكوّنات السورية التي كانت تسكن في المناطق التي دخلتها قوات أردوغان.
إن لعبة أردوغان على التصريحات لعبة مكشوفة، بل مضحكة، وخاصة حين قال: “إن أنقرة تخطط لعملية عسكرية جديدة، وقد يؤدّي ذلك إلى تغيير ديموغرافي”. المضحك أن أردوغان هو من بدأ بالتطهير العرقي للمنطقة الشمالية حين أدّت غزوات قواته إلى اضطهاد العرب والأقليات وإجبارهم على الفرار، وتثبيت الجماعات الإرهابية في المناطق التي تديرها تركيا.
يحلم رئيس النظام التركي، الذي يجمع بين القومية المتطرّفة والأصولية الدينية المتجذرة في جماعة الإخوان المسلمين، بإنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدود، تكون مشابهة لتلك التي أنشأها في تشرين الأول 2019. في ذلك الوقت، كانت علاقات أردوغان وثيقة مع إدارة ترامب وحصلت على الضوء الأخضر من البيت الأبيض لغزو سورية، وكانت الحجة – حسب زعم البيت الأبيض- أن تركيا ستقاتل “داعش” وأن الولايات المتحدة ستغادر سورية. لكن تلقت إدارة ترامب معارضة غير متوقعة من الكونغرس وأعضاء الإدارة عكست مسار القرار الذي وقعه ترامب بالانسحاب ليتحوّل الى البقاء حتى إشعار آخر، ورغم ذلك وقع الدمار في المناطق الحدودية، وتم تهجير السكان الأصليين تمهيداً لما يُحكى عنه اليوم، أي “المنطقة العازلة”، ولكن بعناصر ارهابية تم استجلابها من كل أصقاع الأرض لغايات في نفس أردوغان العثماني.
كثيراً ما استخدم أردوغان مصطلح “الإرهابيين”، وهو مصطلح يستخدمه للإشارة إلى منتقديه ومعارضيه من كل المستويات كالصحفيين، ونشطاء حقوق المرأة، والشباب، والمفكرين، والمعلمين، والطلاب، والفنانين، وحتى الأقليات الدينية، وخير دليل على ذلك عندما غزت قواته شمال سورية في كانون الثاني 2018، حيث تم طرد السكان المحليين من ديارهم، وتدمير المعابد الأيزيدية، وتدنيس المقابر، وتحوّلت المنطقة إلى مساكن للمتطرّفين الذين أرسلتهم تركيا إلى سورية.
زعزعة استقرار
منذ انتهاء العمليات القتالية الكبيرة في سورية، ودخولها في مرحلة التسويات لترتيب البيت الداخلي بعد أن تعافى الناس من جرائم “داعش”، أطلق أردوغان تهديدات جديدة بغزو سورية بهدف زعزعة استقرار المناطق الحدودية في حدث مشابه للتطهير العرقي التاريخي الذي قامت به أنقرة بعد عام 1915 أثناء الإبادة الجماعية للأرمن، وما تلاها من إبادة جماعية ومذابح ضد المجتمعات المسيحية. وليس هذا فحسب، بل قامت أنقرة بهذا التطهير في قبرص عندما غزتها في السبعينيات وطردت الأقليات اليونانية من مناطقها الشمالية.
هذا النوع من التطهير غالباً ما يؤدّي إلى تغيير الأنماط التاريخية للمناطق، وهذا مشابه لما حدث في لواء الإسكندرون السوري في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو على ما يبدو نهج يستخدمه بل يوظفه أردوغان لأهداف وأحلام طورانية، فهو منذ عام 2018 تاريخ الغزو الأول لجأ الى دعم الجماعات الإرهابية التي لا تزال حتى الساعة تقصف مناطق الأقليات المسيحية في شرق سورية، كما تقوم بقصف سنجار في العراق، وهي المنطقة التي يعيش فيها الناجون من الإبادة الجماعية للأيزيديين، ولكن الغريب في كل هذا أن الأقليات في الشرق الأوسط، على ما يبدو، هي المستهدفة.
تركيا والناتو
لا يُستبعد أن يأتي رفض أردوغان انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، ورقة ضغط لاستدراج موافقة غربية من الناتو خاصة على غزو جديد لسورية. لقد تم تهديد هذين البلدين من حكومة أنقرة بأنه يجب عليهما طرد المنشقين والانصياع لمطالبها، وإلا فلن يتمكنا من الانضمام إلى التحالف الغربي، وبالتالي فإن هذا التحوّل الغريب في الأحداث يعني أن الناتو يدور الآن حول ما تريده تركيا، ليس بوصفه تحالفاً دفاعياً، بل وصولاً إلى تحقيق أهداف الحلف المرحلية، فقد انخرط الناتو سابقاً بشكل أو بآخر في غزوات أنقرة وانتهاكاتها في سورية.
تأتي تهديدات أنقرة بعد استثناء الولايات المتحدة ميليشيات “قسد” في الجزيرة السورية من العقوبات المفروضة على الدولة السورية، وعليه من الواضح أن النظام التركي يقوم بتحويل سياساته من محاولة المصالحة إلى دفع تهديدات جديدة.
ففي عامي 2019 و2020، كان للنظام التركي اليد الطولى في القرار الأمريكي، لأن الحزب الحاكم في تركيا لديه جماعات ضغط في واشنطن، بما في ذلك التأثير في العديد من مراكز الأبحاث المهمة، التي سعت إلى التأثير في إدارة ترامب، واستمرت هذه السياسة حتى انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن.
في أيام ترامب، كان لوبي أنقرة يدّعي أن تركيا كانت حليفاً ضد روسيا وإيران، حتى عندما اشترت تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 وعملت مع إيران. أما الآن، فقد أصبحت تركيا في دائرة الضوء بسبب الأزمة الأوكرانية، وباعت طائرات دون طيار لأوكرانيا، كما أنها تريد الحصول على المزيد من الطائرات الحربية الأمريكية، لكنها غاضبة لأن بعض الدول فرضت عليها عقوبات بسبب الانتهاكات في سورية.
تحوّلت أنقرة في عام 2021 إلى الإعلان عن نيّتها إعادة العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، رغم أنها لم تنقطع، على أمل تكوين صداقات جديدة في واشنطن من خلال هذه السياسات. فعلى سبيل المثال، حشد النظام سفارته في الولايات المتحدة للعمل مع الأصوات المؤيدة للكيان الصهيوني ويأمل من خلال العمل مع “إسرائيل”، أن يحقق إنجازات جديدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، دعت أنقرة الرئيس إسحاق هرتسوغ إلى زيارة في وقت سابق من هذا العام وما زالت تتواصل مع الكيان الصهيوني.
هل تحاول أنقرة مقايضة دخول فنلندا والسويد إلى الناتو بشيك على بياض لغزو جديد لسورية؟. تدّعي أنقرة أنها، من أجل “أمنها”، يتعيّن عليها غزو الدول المجاورة وإجبار السكان على الفرار، لكن من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستواجه تهديدات تركيا. ففي العام الماضي، هدّدت أنقرة بغزو سورية لكنها تراجعت عن غزوها الموعود في تشرين الثاني 2021، وها هي اليوم تتراجع مرة أخرى؟.
هذا التراجع كان متوقعاً لعدة أسباب، أهمها الفيتو الروسي والاعتراض الإيراني، بالإضافة إلى عدم استعداد الولايات المتحدة لتحمل تبعات هذا الغزو، وتحديداً في هذا التوقيت، لأن الأولوية القصوى للإدارة الأمريكية الحالية هي الفوز بجائزة “الصراع الأوروبي الروسي”، وإبقاء موسكو مشغولة في أوكرانيا، وفصل روسيا عن الاتحاد الأوروبي، وتوسيع الناتو، وواشنطن مستعدّة لدفع الثمن لتحقيق ذلك، وربما استفاد رئيس النظام التركي من كل ذلك ووجد فيه فرصة لوضع كل مطالبه على الطاولة وابتزاز بايدن لتقديم تنازلات كان من الصعب الحصول عليها في الوضع الطبيعي.