رسائل روسية من الخليج
علي اليوسف
في هذا التوقيت، وبينما العالم على حافة الاصطفافات الجذرية، لاشك أن زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى دول الخليج، ستشكل منعطفاً مهماً في طبيعة وشكل العلاقات القادمة، وفي جانب آخر ربما تكون رسالة إلى الطرف المعادي لروسيا، سواء في الولايات المتحدة أو في الدول الأوروبية، أن مناطق النفوذ التقليدية لم تعد حكراً على طرف واحد فقط.
ومع بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، كان موقف عدد من دول الخليج ملفتاً لجهة اتخاذ الحياد تجاه الأزمة الروسية- الأوكرانية، ورفض السعودية والإمارات تبني الموقف الغربي الذي طالب بمقاطعة روسيا وفرض العقوبات عليها. وبالتالي فإن هذه الزيارة في شكلها البروتوكولي تعكس تقدير روسيا للموقف الخليجي الذي اعترض على المطالب الغربية، ومنها زيادة حصة إنتاج النفط على حساب مصلحة هذه البلدان. لكن في العمق الإستراتيجي، تعتبر هذه الزيارة بمثابة الدخول المباشر إلى مناطق نفوذ الولايات المتحدة، واحتضان مبادرات السعودية والإمارات التي بدأت قبل سنوات بإعادة هندسة علاقاتهما الخارجية وفق أسس براغماتية.
ومنذ سنوات، قطع عدد من دول الخليج شوطاً كبيراً في توازن علاقاتها الدولية، سواء مع الصين أو روسيا، وقد بلغت ذروة هذا التوازن في رفض السعودية والإمارات زيادة إنتاج النفط على خلفية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا رغم الضغوط الأمريكية- الأوروبية الكبيرة، والالتزام بقرارات “أوبك بلس”، وهي خطوات لاشك أنه سيكون لها دور في النظام العالمي الجديد.
وعليه تتماشى الزيارة مع الخطوات الإماراتية والسعودية التي تتعلق بإعادة معايير علاقتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الحالية أظهرت عدم الاهتمام بمخاوف المنطقة بصفة عامة، وهي -إدارة بايدن- ترتكب الأخطاء نفسها التي سبقتها إليها إدارة أوباما، وإن كانت الحالية ترتكبها بشكل “فج” عن سابقتها.
وعليه فإن التوجّه الخليجي نحو روسيا لا يرتبط بمنظومة عسكرية، بل يرتبط بمنظومة اقتصادية واستثمارية بشكل كبير في المنطقة، لأنها من أهم الأولويات الخليجية خلال الفترة المقبلة في ظل الأجواء الاقتصادية المتغيّرة التي خلقت أزمة ثقة بين إدارة بايدن وبعض دول الخليج، وهو ما أدى إلى تغيّر البوصلة باتجاه روسيا التي تتلقفها الآن.
إذن، رسائل عدة تحملها زيارة لافروف إلى منطقة الخليج تتعلق بالعديد من الملفات، وجميعها ملفات تعزّز علاقة روسيا بدول الخليج، وفعالية الدور الروسي في المنطقة، في ظل ما تسعى إليه إدارة بايدن بإحياء سيناريو “الفوضى الخلاقة”. وعليه فإن الأيام القادمة ستشهد المزيد من تنامي العلاقات بين موسكو ودول الخليج إلى مستويات أكبر مما سبق، خاصةً وأن الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف أوحد أثبت أنه خيار غير موفق.