قصة تطريز ريفية بألف و200 معاناة نسائية
حلب- غالية خوجة
ذكّرتني صالة “الجسر” ومعرضها المقام بالتعاون مع مديرية الثقافة ببيت شهير للشاعر علي بن الجهم (عيون المها بين الرصافة والجسر، جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري)، خاصة وأن عنوان المعرض (فنانات من ريف حلب يسردن قصة تطريز)، لتجذبني هذه الفعالية في يوم انتقلتُ فيه بين وقفة وطنية في ساحة سعد الله الجابري إلى هذا المعرض ثم إلى أمسية أوركسترا صبا.
فنانات بالفطرة
ويحدث أن تكون عدة فعاليات ثقافية وفنية في اليوم الواحد بحلب تراكمية أو نوعية، لكن ما سرّ الألوان الزاهية الفاقعة في هذا المعرض المنسجم مع تدرجات الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والترابي، رغم أن منطقة النساء الريفيات المشاركات في هذا المعرض أقرب إلى الصحراوي؟.
أجابتنا المنظمة والمنسقة الفنية للمعرض الألمانية هايكه فيبر: أكثر من 30 لوحة رسمتها 1200 امرأة من ريف حلب تشاركياً، وجميعهن عانين من الحرب الإرهابية على سورية، وبعضهن فقدنا الاتصال بهن، إلى أن استطعن ذلك بعد انتصار حلب، وأقمت معرضاً سابقاً لهن في دمشق عام 2021، وأحببت أن يكون المعرض الثاني لهن في حلب.
وتابعت: لا أخفيك سراً بأنهن لسن فنانات أكاديميات، بل فنانات بالفطرة، ميزتهن أنهن يحببن الألوان جداً ولاسيما الفاقعة، ويفضلن تناقض الألوان، وأعمالهن تتميّز بلون واحد صافٍ، فلا يتصرفن باللون كالفنانين، ربما لأن أفكارهن لم تتلوث بالتلوث الثقافي، لأن همّهن تراثهن الحياتي الراسخ في الذاكرة، إلى جانب أن تكون حياتهن متفائلة رغم السواد والدمار والحصار، لذلك، تطغى الأمومة والطبيعة والعطاء على المعنى في لوحاتهن المرسومة والمنسوجة والمطرزة، وعانيت، أيضاً، مثلهن أثناء الحرب.
أنت منذ أكثر من 30 سنة في سورية، ولن أكون مخطئة إذا قلت إنك شاركت في جناح إكسبو سورية في إكسبو دبي 2020.. هل هذا صحيح؟.
أجابتني: أنا في دمشق منذ أربعين عاماً، ولن أغادر، وأصدرت كتابي “عناة وبطلها بعل” ووقّعته فعلاً في جناح إكسبو سورية بدبي.
فن شعبي شبيهه أوروبي
ورأى التشكيلي إبراهيم داود أن الأعمال أقرب إلى الفن الشعبي، ونجد شبيهها في الفن الأوروبي المتطور، وتعتمد على مساحات اللون الواحد دون دمج الألوان؛ والأشغال اليدوية تعكس لوحات بطابع شعبي؛ وذاكرة هذه الأعمال تعود إلى التأريخ الفلكلوري المستمد من واقعها الحياتي، وهذا ما تفصح عنه الرموز والأشكال من قبب وأراضٍ ريفية ومنازل ومساحات برية وجبلية وصحراوية وسهلية، إضافة إلى التضاد والصدمة والتحدي اللامع.
قوة الألوان بهدوء صارخ
ولفت الفنان الفوتوغرافي عيسى توما، صاحب الغاليري، إلى استعادة حيوية الصالة مع هذا المعرض، لتعود وتنطلق المعارض الداخلية والخارجية استضافة ومشاركة، مشيراً إلى أن هذه التجربة تستحق العرض، كونها لنساء ريفيات فلاحات عبّرن عن حالاتهن المختلفة بهذه اللوحات الحاكيات عن فكرة الحرب، وقوة الألوان الصارخة رغم الهدوء الظاهري، كما اختزلن حياتهن الخاصة، والمعاناة مع الهجرة، إضافة إلى بعض التجريد.
سورية.. إبداع بلا حدود
ورأى جابر الساجور مدير الثقافة بحلب أنها حالة لتذوق ألوان الفرح والنصر والتراث السوري العريق، كما أن المشاركات جسدن معاناتهن مع العصابات والتدمير ومحاولة طمس الهوية، وكيف استعدن الحياة والأمان بعد قدوم الجيش العربي السوري. وأضاف: اللوحات تسرد أبعاد العمل الثقافي والفكري والاقتصادي، ومن الممكن توظيف هذه الأعمال لتحسين وضع الأسرة، لأن الإبداع الإنساني لا حدود له، وخاصة في سورية، وريفنا السوري غنيّ بالطاقات الإيجابية.
المرأة تبدع رغم الظروف
أمّا أكبر زائرة للمعرض فكانت السيدة أم عيسى التي قالت: يكفي أن المرأة رغم كل هذه الظروف تبدع، ويكفي أن الأعمال يدوية ومن شغل أيادٍ تعمل بين الأرض والزراعة والبيت.