“العناقيد الأخيرة”.. حقائق من أرض المعركة يوثّقها وليم عبد الله أدبياً
“العناقيد الأخيرة عناقيد العنب التي تظهر بالكرم بعد نهاية الموسم ويكون طعمها حلو، وهي مميزة جدّاً عن الأساسية، لذا شبّهت الشّهداء والجرحى بها.. هم مثلنا لكن فيهم شيء مختلف” بهذه العبارات بيّن الكاتب وليم عبد الله سبب اختيار “العناقيد الأخيرة” عنواناً لكتابه الصّادر حديثاً عن دار دلمون ومؤسسة أحفاد عشتار، مضيفاً: لقد حاولت البحث عن عنوان يمثّل الإنسان الذي أتحدّث عنه أي الجندي في الجيش العربي السّوري والمدني الذي قدّم تضحيات كثيرة، والكتاب توثيقي لكن بأسلوب القصّة الأدبية والدّراما، منذ بداية الحرب كلنا نتذكّر الصّراع الإخباري بين المعلومة الحقيقة والفكرة أو الخبر.. حاولت أن أبقى على مسافة واحدة في القصّة لكن الحقيقة واضحة وبيّنة ولن نتحدّث شيئاً مختلفاً عن القضية فهي أيضاً واضحة للجميع، وطالما نحن على حقّ يجب ألّا نخاف من شيء، لذا لم أتحدّث عن موضوع الهوية والانتماء والبسالة، فالقصّة هي التي تظهر هذا كلّه للقارئ.
وخلال حفل توقيع الكتاب في المركز الثّقافي العربي بـ “أبو رمانة”، تحدّث عبد الله عن صعوبة العمل التّوثيقي: كتابة القصّة التّوثيقية بهذا الشّكل لا تقتصر على الأسلوب وإنّما الدّراسة، أي يجب أن يكون لديّ معلومة كافية عن السّلاح والتّكتيك والجغرافيا والتّاريخ، فالمنطقة الصّحراوية مختلفة عن السّاحلية والجبلية لذا فهي تلعب دوراً في سرد القصّة وتوثيق بطولات جندي من دير الزّور ويحارب في اللاذقية أو بالعكس.. عندما ذهبت إلى دير الزّور سألت بعض الأصدقاء كيف يميّزون المناطق وأنا لا أرى إلا صحراء على مدّ النّظر، وهذا ما حصل مع الجندي البطل “جدعان” ـ وللأسف لم أتمكن من معرفة نسبته ـ الذي أتى وحارب الإرهاب في اللاذقية لقد قال إنّه لم يعد قادراً على تمييز منطقة عن أخرى على الرّغم من اختلاف المناطق كلّ بضعة أمتار، كذلك الأمر بالنّسبة للسّلاح عندما اشتغلت على بطولات مشفى الكندي كان عليّ أن أعرف الفرق بين العربات والآليات التي دخلت إليها أو خرجت منها.
ويضيف عبد الله: ليس لديّ كلمة اسمها “رفاقه”، كنت حريصاً دائماً على ذكر أسماء كلّ الأبطال إلّا قلّة لم أتمكّن من الحصول عليها، مثلاً الشّهيد البطل باسل قرفول كلّنا وصلنا خبر استشهاده أثناء منعه تقدّم الإرهابيين وتفجيرهم بمعدّاتهم، لكن لم نعرف أنّ الجنديين عباس الحسين وخطّاب الذي استشهد على منصة الصّواريخ كانا معه.
وبالسّؤال عن مصادر المعلومات ولا سّيما أنّ أبطال كلّ قصّة من محافظات ومواقع ميدانية مختلفة، يجيب عبد الله: التّوثيق بحاجة لميزانية ضخمة وهذا غير متوافر لدينا، على سبيل المثال اشتغلت على مشفى الكندي ولم أحصل على أسماء الذين خرجوا منه إلّا منذ شهر تقريباً مع العلم أنّ أحداثه كانت في عام 2013، كذلك الأمر بالنّسبة للمعلومات عن حقل آراك أحداثه كانت بين عامي 2014 و2015 كان لديّ معلومة تقول إنّ أربعة جنود قاوموا إرهابيي “داعش” وحموا المحطة، لكنّي لم أحصل على أسمائهم إلّا بعد خمس سنوات وصلت إلى أحدهم وحصلت على التّفاصيل الكاملة، فقد كان أوّلهم محمد ياسر من ريف حلب وناصر بكداش من اللاذقية وعلي العلي من صافيتا وشاب اسمه لؤي من ريف جبلة وهو أوّل من استهدفه إرهابيو “داعش” وأصيب بشلل كامل وشاب من حماه استشهد كان عند الباب، هؤلاء الشّباب كانوا أشبه بأوركسترا وكانوا موزّعين على سطحي بنائين، كانوا يرددون الأغاني وهم مصممون على القتال والصّمود إلى آخر لحظة لا استسلام ولا تراجع.
وفي قراءاتها للكتاب، قالت الإعلامية نهلة السّوسو: وليم عبد الله عاش بزاوية خاصّة جداً في الحرب، وبدأ كتابه بدايةً مهمة أيضاً من خلال ومضات من الحرب أذكر منها: أصابوه في جوبر، وفقأت شظية عينه، ومن كثرة الألم وضع إصبعه في مقلته وقلع عينه وحاول متابعة القتال لكنّه سقط أرضاً بعد أن بُترت قدمه)، وهناك حضور لافت للطّبيعة في غالبية العناوين مثلاً: “ورد القرنفل” و”سر القمح” و”سماء داكنة” و”ياسمينة التّوبة” و”موسم الزّيتون” و”الصّحراء الخضراء” و”رماد”، إضافةً إلى وجود عبارات تبقى راسخة في الذّهن كقوله: “أعتقد أنّ جمال ريف اللاذقية يعود إلى وجود الأمهات فيه” وقوله: “لماذا لا أستطيع أن أرى علم العدو الإسرائيلي إلّا عندما أنحني لأربط حذائي العسكري؟”، منوّهةً بالرّبط الرّوحي والميتافيزيقي الجميل، ومضيفةً: نعود دائماً إلى الأمل وهذا ما أكّد عليه وليم قوةً وواقعاً لا تنظيراً.
نجوى صليبه