التضخم والمجاعة والفقر في العالم نتائج طبيعية للعقوبات الغربية على روسيا
تقرير إخباري
رفضت الدول الغربية مجتمعة إلقاء أذن مصغية للتحذيرات الروسية الكثيرة من إمكانية حدوث كوارث اقتصادية في العالم على خلفية العقوبات الغربية غير المسبوقة المفروضة على روسيا، فقد حذّر المسؤولون الروس الدول الغربية مراراً من أن السير في العقوبات على هذا النحو من الجنون يمكن أن يتسبّب بمشكلات اقتصادية عالمية لا يستطيع أحد السيطرة عليها، لكن الدول الغربية، وفي غمرة سعيها المحموم لإلحاق الأذى بروسيا، لم تستطع قراءة تأثير هذه العقوبات في اقتصاداتها أولاً، والاقتصاد العالمي بالدرجة الثانية، فقد أدّت العقوبات المفروضة على موارد الطاقة الروسية إلى ارتفاع معدّلات التضخم في الدول الغربية وزيادة في أسعار السلع باتت تهدّد باندلاع ثورات شعبية في هذه الدول قبل غيرها، فضلاً عن أن هذه العقوبات انعكست سلباً على معدّلات الفقر والجوع في العالم، حيث بدأت الدول الفقيرة تستشعر مخاطر انعدام الأمن الغذائي الذي تعانيه أصلاً، وبدأت في البحث عن تأمين بدائل لسلاسل الغذاء التي تعتمد عليها، وهو ما دفع بعض الدول الإفريقية الفقيرة إلى التواصل مباشرة مع روسيا في سبيل تأمين حاجتها من الحبوب، وبالتالي خابت المحاولات الغربية تحميل موسكو مسؤولية نقص إمدادات القمح العالمية، كما أن الدول الغربية ذاتها التي اجترحت العقوبات على موسكو بدأت هي الأخرى تستشعر مخاطر التضخم في أسعار السلع والمواد، حيث ارتدّ ذلك كله عجزاً في تأمين بدائل لموارد الطاقة الروسية، الأمر الذي جعلها تحتال على ذلك بفرض عقوبات على النفط الروسي المنقول بحراً وترك الباب مفتوحاً للنفط والغاز المنقولين عبر الأنابيب، ما يعني أن هذه العقوبات تم توجيهها لمعاقبة دول أخرى في العالم تعتمد على هذا النوع من النفط.
والأمر ذاته يمكن أن ينطبق على إمدادات القمح، حيث يتم نقل القمح الأوكراني براً إلى الدول الأوروبية، في الوقت الذي يتم فيه التضييق على شحنه بحراً إلى القارات الأخرى وخاصة إفريقيا، وهذا طبعاً يُراد منه بالدرجة الأولى تحريض الدول الفقيرة على روسيا من خلال اتهامها بإعاقة إمدادات القمح إليها، في الوقت الذي تعمل فيه العقوبات الغربية على منع هذه الإمدادات من الوصول إلى الأسواق العالمية.
لذلك تعمل بعض الدول في آسيا وإفريقيا على الاستفادة من العقوبات الغربية على روسيا في تعزيز احتياطياتها من موارد الطاقة كما فعلت الهند التي تجري مفاوضات حالياً لزيادة وارداتها من النفط الروسي من خلال زيادة المشتريات من شركة “روس نفط”، كبرى شركات الطاقة الروسية، وذلك حسبما جاء في مقال نشرته وكالة “بلومبرغ” من أن “الهند تعتزم مضاعفة وارداتها من النفط الروسي، وتسعى المصافي المملوكة للدولة إلى الحصول على إمدادات أكبر من شركة “روس نفط” لأن اللاعبين الدوليين يرفضون التعاون مع موسكو”.
ووفقاً لحسابات وكالة “بلومبرغ” اشترت الهند أكثر من 40 مليون برميل من النفط الروسي بين أواخر شباط وأوائل أيار من العام الجاري، أي بزيادة نسبتها 20% تقريباً عن عام 2021 كله.
وفي حديث آخر للوكالة ذاتها، أشارت إلى أن العقوبات الغربية ضد روسيا أثبتت أنها غير فعّالة وأثارت مجاعة عالمية.
وقال بانكاج ميشرا، المعلق في وكالة “بلومبرغ”: إن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا تدابير تقييدية ضد موسكو دون مراعاة تداعيات الخطوة على الدول الأخرى.
وأوضح ميشرا موقفه قائلاً: “غير فعّالة حتى ضد الأنظمة الضعيفة مثل كوبا، فشلت العقوبات كما كان متوقعاً في إيقاف الزعيم الروسي، بينما عرّضت مليارات الأشخاص حول العالم للتضخّم والجوع”.
ورغم أن الأمم المتحدة حذّرت عدة مرات من حدوث أزمة غذاء بسبب نقص الحبوب، إلا أن الدول الغربية لا تزال تتهم روسيا بعرقلة توريد الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، في الوقت الذي رفضت فيه موسكو بشكل قاطع مثل هذه الاتهامات، بينما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن على السلطات الأوكرانية إخلاء الموانئ من أجل المرور الآمن للسفن، وأنه يمكن تصدير الحبوب على طول نهر الدانوب عبر رومانيا وهنغاريا وبولندا، وأن أرخص طريق هو الذي يمرّ عبر بيلاروس، لكن الدول الغربية تمنع ذلك من خلال العقوبات.
لذلك ليس من الصعوبة الوصول إلى نتيجة مفزعة للعقوبات الغربية على روسيا، وهي أن هذه العقوبات ربما كان هدفها كما قال الرئيس الروسي إلحاق الأذى بملايين الناس في العالم، وتوجيه حقدهم بشكل مباشر إلى روسيا، ولكن السحر، على ما يبدو، بدأ ينقلب على الساحر، حيث انحازت أغلب الدول الفقيرة إلى روسيا في صراعها مع الغرب.
طلال ياسر الزعبي