الثقافة الأرمنية من خوارزميات الحكاية الحلبية
حلب – غالية خوجة
ما سرّ الجاذبية بين الثقافتين العربية السورية والأرمنية؟
تتنوّع الحياة في سورية لتشكّل لوحة لا شبيه لها إلاّ في سورية، ومنها حلب الشهباء المحتضنة لمشهد فسيفسائي متناغم الثقافات عبْر الأزمنة، متبلور بالهوية الوطنية الإنسانية الواحدة، الملتحمة بالأرجوان الشهيد، وأجنحة الفينيق الخضراء، لتمنح الشمسَ مراياها، وتضيف للحياة حياة متجدّدة.
الأسبوع الثقافي الأرمني
ولأن للثقافة الأرمنية جذوراً في هذا التراب، احتفت جامعة حلب، كعادتها، بالأسبوع الثقافي الأرمني، فماذا قدّم نادي الشبيبة السورية الثقافي بالتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية في هذه المناسبة التي اختُتمت في مدرج كلية العمارة بمسرحية، وحفل فني للفرقة الموسيقية “زوارتنوتس”؟
معزوفات تغافل الزوار
ابتدأت الفعالية التي استمرت ثلاثة أيام بافتتاح معرض في كلية الطب البشري – قاعة ابن البيطار، اتسم بتنوعه الفني الثقافي التراثي الفلكلوري المادي واللامادي، سارداً قصصه وأحداثه عبْر الزمن توثيقياً وفنياً وحرفياً بين مساهمات الشخصيات الأرمنية الأدبية، الفكرية، العلمية، التأريخية، الموسيقية، الفنية، المعمارية، الشعرية، الطبية، إضافة إلى حكايات عكستها معروضات العديد من الذاكرة التراثية مثل المنسوجات والمطرزات والمشغولات اليدوية، والأزياء الفلكلورية، بينما برزت الآلات الموسيقية الشعبية الأرمنية في المعرض، وكأنها ما زالت تعزف خلفية موسيقية مناسبة للزائرين وهم يعبرون أمام الأعمال واللوحات والبورتريهات الخاصة بالشخصيات الأرمنية المهمّة.
سورية وطن الإنسانية
وأشار المطران زوبويان إلى أهمية هذه الفعالية بين معرض ومحاضرات لأنها تواصل التعريف بذاكرة الثقافة الأرمنية وأبعادها المستمرة بين الماضي والحاضر، والمنتسجة بكل تأكيد، مع ذاكرة المجتمع السوري، وليتعرف إليها الجميع، خصوصاً، الجيل الشاب، مركّزاً على الفضاء التفاعلي بين الثقافتين الأرمنية والعربية، ولاسيما أن سورية وطن الثقافات والحضارات واللغات.
الجامعة علم وثقافة
ولفت الدكتور ماهر كرمان رئيس جامعة حلب إلى دور الجامعة التثقيفي والتعليمي، مؤكداً أهمية هذه النشاطات الثقافية والفنية المساهمة في تعزيز علاقات التآصر في المجتمع السوري وبنيته الفسيفسائية العريقة، وتعزيز أواصر الصداقة بين سورية وأرمينيا.
الحياة موسيقا بين الشعبية والكلاسيكية
ثم وفي مدرج الطب الكبير حاضر جيراير رائيسيان، عضو مجلس الشعب، بجاذبية معرفية عميقة عن مفهوم الثقافة لشعب ما، بمصاحبة مرئية لصور توضيحية وثائقية، وابتدأ بنبذة عن تأريخ الموسيقا الأرمنية من الغناء إلى الآلية، منذ عصور ما قبل الميلاد ولغاية اليوم، وعن تأريخ الرقص وأنواع الرقصات من الشعبية إلى الكلاسيكية، منعطفاً إلى إيقاعات عملية يدوية يعكسها السجاد كما فن النحت والرسم والمنمنمات، مركّزاً على تأريخ الثقافة الأرمنية وأهم محاورها الإبداعية والعلمية والفنية والثقافية ومدى تأثيرها في الحضارات الإنسانية ومنها السورية التي أثرت فيها أيضاً بشكل تفاعلي متناغم ومتجذر.
شوارع حلب بأسماء شخصيات أرمنية
بينما، وفي قاعة إيبلا، كلية الآداب، تحدثت المحامية ماريا مانوك كبرئيليان، عضو مجلس محافظة حلب، عن “نسج حكاية حلب بحرير وحياكة الأرمن”، متحدثة عن المصير المشترك وقداسة التراب السوري والفخر بالتضحية والاستشهاد لأجله، مشيرة إلى وجود الأرمن في الجيش العربي السوري كألوية وقادة، وكيف دافعوا عن وطنهم السوري ضد الإرهابيين في العشرية الظلامية، لافتة إلى معاناة الأرمن من المجازر والتهجير القسري، وكيف احتضنتهم سورية مثل الأم، وكيف ساهموا فيها كمواطنين في كافة المجالات الطبية والعلمية والفنية والاقتصادية والميكانيكية والأدبية لدرجة أنهم صاروا يكتبون بالعربية ويترجمون منها إلى الأرمنية وبالعكس، ولهم حضورهم الموسيقي ومنهم المايسترو ميساك باغورديان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، وحضورهم السياسي والدبلوماسي سواء في مجلس الشعب السوري، أو السفارات السورية مثل د. نورا أريسيان سفيرة سورية في أرمينيا، إضافة إلى حضور لمساتهم في العمارة ومنها، مثلاً، نصب الجندي المجهول في دمشق، و4 جسور في حلب المدينة التي تسمّي شوارعها بأسماء مواطنيها الأرمن تكريماً كشارع د. أنطونيان، وشارع رزق الله حسون.
وذكرت مانوك عدداً من أوائل الأرمن الذين أدخلوا العديد من المهارات الفنية والحرفية والعملية والرياضية والاجتماعية إلى سورية وغيرها من دول العالم.
طلاقة الفصحى والإخلاص
وعن هذه الفعالية قال لـ “البعث” د. محمد غسان دهان، عضو الهيئة التدريسية في كلية الآداب، قسم اللغة الفرنسية: إنهم يؤكدون على أمور كثيرة، أهمها أن سورية احتضنتهم وهم احتضنوها وطناً، وأننا في سورية نتقاسم الحياة اليومية المشتركة، إضافة إلى طلاقتهم باللغة العربية، ومن امتلك ناصية اللغة امتلك الإخلاص والوفاء لهذا الوطن.
كيليكيا ولواء اسكندرون
وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى كتاب الدكتور ميناس كوجنيان “تاريخ تشورك مارزبان.. ديرت يول في كيليكيا” (طباعة لوس أنجلوس 2006) الذي وثق فيه جزءاً مهماً من تأريخ الأرمن في مملكة كيليكيا وحكمهم لها منذ عام 83 ق. م، إلى لحظة السقوط عام 1375، نتيجة الحرب البيزنطية ومحاولات تتريك المنطقة ومنها لواء اسكندرون، وما تلاها من مجازر إبادة وتهجير، ومما كتبه كالوست ميناسيان في مذكراته، نقرأ: “إن أرمن حلب والسكان المحليين ساعدوا كثيراً المهجرين الأرمن، وبفضلهم بقي آلاف منهم على قيد الحياة، وفي عام 1918 كانت الهدنة، ونزلت القوات الفرنسية على شاطئ الإسكندرون، وبعد تهجير أرمن كيليكيا وعددهم 30 ألف نسمة، انتقل أرمن كيليكيا إلى مدينة اسكندرون والشوق في عيونهم انتظاراً لعودتهم إلى وطنهم، وفي عام 1939، وحسب اتفاق سري مع الحكومة التركية سلمت الحكومة الفرنسية لواء اسكندرون إلى تركيا”.