المدارس الصيفية في الأندية شعارات بلا مضمون… الخطوة الأولى في البناء الرياضي ضائعة والإرادة غائبة
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
جميع أنديتنا أعلنت عن المدارس الصيفية لهذا الموسم وانطلقت بالفعل الأسبوع الماضي ضمن عدة ألعاب محببة للصغار تبدأ من السباحة وكرة القدم والسلة وبعض ألعاب القوة، فالكثير من الصغار يعشقون الألعاب القتالية، وهذه المدارس الصيفية لها فوائد كثيرة بوضعها الراهن، منها أنها توسّع مدارك الأطفال وتحبسهم عن ارتياد الشوارع والحارات، وتطلعهم على الرياضات وفق أصولها وقواعدها.
وهذا الأمر جيد بالمطلق وإن كنا نريد من هذه المدارس أن تلعب دوراً أكثر ريادة في العالم التربوي والرياضي بآن معاً.
ونجد حرص الأندية على سلامة الأطفال وأمانهم وأمنهم كبيراً فلم نسمع عن أي حادثة مثيرة للاهتمام قد حدثت، وهذا الأمر يعطي مدلولاً جيداً عن مدى اهتمام الأندية بمنتسبيها وحرصهم على ألا يتعرضوا لأي أذية جسدية أو نفسية.
هذه النواحي كلها حقيقية وليست من باب الدعاية لهذه المدارس، فكما أننا ننتقد الأعمال السلبية فواجب علينا أن نسلط الضوء على الايجابيات ليتم تعزيزها وتكريسها والبحث عن نقاط أكثر ايجابية من باب التطوير ليس إلا.
ومن باب الإضاءة على كل المشهد فلا بد لنا من ذكر العديد من الأمور التي قد تصب في خانة الملاحظات مما وجدنا من السلبيات العديدة التي لا تخفى على أحد، ومن الطبيعي أن نأخذ هذه الملاحظات بعين النصيحة لعل بعضها يساهم في تطوير هذه المدارس وتدارك حالات الفساد العلنية والمبطنة فيها من خلال خرق العديد من القوانين والأنظمة المعمول بها في منظمة الاتحاد الرياضي العام.
الفكرة الأولى أن هذه المدارس لم تتطور منذ إنشائها قبل أكثر من ثلاثين سنة فبقيت محافظة على الرتم ذاته والبرامج ذاتها دون أي تطوير سواء بالمناهج أو الأفكار أو الألعاب، وسبق أن حاولت بعض المدارس في أندية معينة أن تدخل الكمبيوتر كمادة رئيسية ليتعلم الصغار بعض التقنيات ويستطيعوا التعامل والتأقلم معه بكل سهولة ويسر، لكن الفكرة لم يكتب لها النجاح وفي ذلك أسباب عديدة أخرى، وليس لنا أي تعقيب على مجمل الأسباب لكننا سقناه كمثال يدل على أن المدارس الصيفية تقف مشاريعها الجديدة عند أول عائق قد يكون مادياً أو مهنياً أو غير ذلك، دون البحث عن الحلول الصحيحة لتجاوز هذه العقبات.
في البحث بالمواد الداخلة بهذه المدارس نجدها كلاسيكية ضمن قالب روتيني بحت، والطفل المنتسب لديه ألعاب متعددة سينتقل بوقت قصير من لعبة إلى أخرى دون أن يستفيد من أي لعبة سوى أنه أمضى وقتاً مسلياً أو غير مسل.
من جهة أخرى فإن تخصيص الألعاب يأتي وفق رؤية الإدارة للألعاب المضافة غير الألعاب التقليدية ككرتي القدم والسلة والسباحة، وتعيين الألعاب المضافة أو المواد الترفيهية الأخرى يأتي من باب دعم الأقارب والأصحاب، فيمكن لإدارة ناد ما أن تضيف الرسم والموسيقا واللغات ومن على شاكلتها ليس من أجل الثقافة العامة وتطوير موهبة الطفل إنما من أجل من يلوذون بهم فيكتسبون الفائدة المادية من هذه المدارس.
فكرة تطوير المدرسة الصيفية يجب أن تكون في أجندة إدارات الأندية بحيث تجلب الفائدة الفنية كما تجلب المنفعة المالية للنادي، والفكرة التي يمكن أخذها بالاعتبار أن تصبح هذه المدارس اختصاصية، على سبيل المثال: نادي الثورة ليس لديه إلا لعبة كرة السلة فمن الطبيعي أن تكون مدرسته اختصاصية بكرة السلة ومثل ذلك نادي الوحدة الذي لا يعترف إلا بكرتي القدم والسلة.
بقية الأندية مدارسها مفتوحة على جميع الألعاب، والجديد يقضي بالاستماع إلى هوايات الأطفال وزجهم بالألعاب التي يرغبونها إضافة إلى السباحة وهي غاية كل طفل في الصيف، وفي هذه الحالة سنجد مدرسة اختصاصية بكرة القدم وأخرى بالسلة وثالثة بألعاب القوة ورابعة بالبلياردو وهكذا ضمن المدرسة الصيفية في النادي الواحد.
وعندما يكون الطالب منتسباً إلى كرة القدم فالبرنامج يجب أن يكون منهجياً لدورة كاملة تمتد في أشهر الصيف الثلاثة، فالطالب يأخذ (كورس) كامل بكرة القدم، وقد نجد منه الموهبة والخامة ليكون له نصيب في المدارس الشتوية إن افتتحت أو ضمن فئات النادي.
الأندية الصيفية تقفل أبوابها مع ختام دورتها، لكن هذا الأمر خاطئ والمفترض أن تفتح أبوابها يومي الجمعة والسبت في الشتاء لمن ينتخبهم المدربون ليتابعوا تدريباتهم لكونهم خامة واعدة وموهبة تحتاج إلى الصقل والتطوير.
أما الملاحظة الأخرى أن اختيار المدربين يكون ضمن المحسوبين على الإدارة لأن هؤلاء يتقاضون مكافآت شهرية جراء تدريبهم، وللأسف فإن بعض هؤلاء لا يملك أدنى الكفاءة والخبرة لهذه المهمة، بينما يُبعد البعض الجيد لعدم قربه من الإدارة، لذلك نقول وبكل صراحة إن المدارس الصيفية هي للأصحاب ومن ترضى عنهم الإدارات، وبهذه الحالة لن نحصل دوماً على الفوائد الفنية من هذه المدارس الصيفية، ولو سألنا أي ناد عن مدرسته وما عدد الطلاب الذين تم اكتشافهم وضمهم إلى فرق النادي لوجدنا الحصيلة قليلة في الأندية الشهيرة وصفراً في بعض الأندية.
لا شك أن المدارس الصيفية في الأندية تشكل أحد أهم أبواب الدخل المالي وتجني هذه الأندية منه ربحاً وفيراً يسند الميزانية، وهو أمر ايجابي بالمطلق ولكن لو أضفنا الفوائد الأخرى إلى الربح المالي لحصلنا على ما نريده، فالأندية ليست شركات تجارية هدفها الأول الربح المالي، بل تنتظرها مسؤولية التربية والبناء والتطوير الرياضي وهذا للأسف تفتقده أغلب المدارس الصيفية.
وفي مقارنة بسيطة مع المدارس الخاصة التي يطلق أصحابها عليها مسمى (الأكاديمية) دون أن يعرفوا معنى هذه الكلمة، نجدها ناجحة بالمقارنة مع مدارس الأندية وليس مع المفهوم الأكاديمي، وسبب هذا النجاح لأنها اعتمدت في مدارسها على اختصاصيين في التدريب ولأنها اختصت في ألعاب معينة فحصلت على النجاح الذي تنشده مالياً وفنياً.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإننا نستغرب من إدارة ناد كبير بحجم نادي الوحدة لديه مدربين اختصاصيين وملاعب واستثمارات وإمكانيات كبيرة وداعمين أن يلجأ إلى أكاديمية خاصة لتعليم مرتاديه كرة القدم، والقصة أكبر من أن تكون استثمار ومنافع مالية، لأن القسم الفني من اختصاص النادي واستقدام مدربين أجانب أمر سهل، فمن يقدر على استقدام مدربين ولاعبين وحكام أجانب بكرة السلة يقوى على استقدام مدرب لقواعد كرة القدم.
موضوع الاستثمار هو اختصاص لوحده وإدارة النادي قادرة على الدخول في مشاريع استثمارية كبيرة وضخمة تدر عليها المليارات، أما الدخول في استثمار رياضي مع الآخرين هو من اختصاصها فهذا أمر مستغرب ويرسم العديد من إشارات الاستفهام المبهمة؟
في الأسئلة البسيطة فإن صيغة العلاقة ما زالت غير مفهومة ومصير اللاعبين المقيدين على اسم المدرسة غير معروف، ونحن في هذه الجزئية لا تعنينا التصريحات بقدر ما تعنينا بنود العقد والضمانات.
بعض المراقبين قالوا تم بيع النادي بثمن بخس، وبعضهم الآخر تحدث عن أطراف خفية لها مصلحة في هذا العقد، ونبقى في حيرة من أمرنا، هل فعلاً لا يستطيع نادي الوحدة تأسيس أكاديمية كروية على مستوى عال دون مساعدات الآخرين؟
وهذا الباب يقودنا إلى الاستثمار الفاشل في الرياضة بشكل عام، فبدل أن تكون رياضتنا عامرة بالاستثمار المفيد الذي يضخ المال اللازم للرياضة ويسهم بتطور الألعاب الرياضية والدخول بمشاريع قوية وكبيرة من حصيلة المال الاستثماري لتنتعش أنديتنا وتعتمد على ذاتها ومواردها، نجدها عامرة بالاستثمار الذي يصب في جيوب المستثمرين ومن معهم من المستفيدين الذين رأوا في الرياضة مصدراً من مصادر الدخل وإن كان غير مشروع وغير قانوني.
في العودة للحديث عن المدارس الرياضية الصيفية نجد أنه أحد مصادر العناية بالقواعد والخامات والمواهب، فالأندية تبدأ عملها من هذه الأعمار الصغيرة ومن المفترض أن يكون لديها كشافين يكتشفون الموهبة من غيرها ويدفعون هذه المواهب نحو الأماكن الصحيحة، ربما تكون هذه المدارس هي الخطوة الأولى في هذا الصعيد وهي غير مكلفة بوجود المدربين والمسابح والصالات والمساحات الخضراء، وقد تكون أقل كلفة وتعقيداً من موضوع الرياضة المدرسية التي عقد لأجلها الندوات والمحاضرات وقدمت الدراسات ولم نعد نسمع عنها شيئاً.
بكل الأحوال هناك الكثير من العناوين التي تصب في مصلحة رياضتنا وكيفية تطويرها، والدراسات والأبحاث موجودة وكذلك الأفكار والخطط، ولكن ينقصنا شيء وحيد وهو الإرادة، ومتى امتلكنا إرادة التطوير صار كل شيء هيناً.