بعد أن وصلت معاينة الطبيب إلى 25 ألفاً.. ارتفاع مرتقب لها سيثقل كاهل المرضى المُثقل بالأصل..!.
لا يختلف حال أجور الأطباء هذه الأيام عن أسعار السلع التي تختلف بين حارة وأخرى بآلاف الليرات تحت مبررات كثيرة تبدأ بنوع البضاعة وتنتهي بأجرة المحل التي ترتفع كلما ازداد رقي الشارع، فالحال واحد عند الأطباء ممن تختلف معاينتهم حسب “البضاعة التي يقدمونها”، والتي تُبنى على خبرتهم والشهادات الإضافية التي حصلوا عليها من ماجستير و..و.. إلخ، إلى جانب شهادة الطب طبعاً، إضافة إلى أجرة العيادة التي هي الأخرى تتناسب مع المنطقة: “مخالفات- نظامية- حارة راقية..”، لنشهد حالة حقيقية من بورصة أجور الأطباء التي وصلت معاينة الكثيرين منهم إلى 25 ألف ليرة، في الوقت الذي مازالت الأجور والرواتب “مكانك راوح”، وعلى الرغم من التزام قلّة قليلة من الأطباء بالتسعيرة الحقيقية الموضوعة لهم، إلا أن ارتفاع أصوات الأطباء في كل عام مطالبين برفع أجورهم بث الخوف في قلوب المرضى ممن لا حول ولا قوة لهم سوى الانصياع لهذه الارتفاعات، خاصة أن العلاج ليس رفاهية بل ضرورة لا بد منها عند أفضل الأطباء كون الهدف هو الشفاء مهما كلّف الأمر.
ظلم بحق الأطباء
وعلى الرغم من أن واقع الأطباء شهد خلخلة خلال سنوات الحرب تمثّلت بهجرة أعداد ليست بالقليلة إلى دول أخرى تحت مغريات وفرص كبيرة، إلا أن انخفاض أعداد المهاجرين من هذه الفئة كان سيّد الموقف خلال الأعوام الأخيرة، حسب ما صرّح به قبل أيام خالد موسى رئيس فرع نقابة الأطباء في ريف دمشق، مقدّراً أن نسبة الانخفاض تراوحت بين 40 إلى 50 بالمئة في العام الحالي بناء على أسباب عديدة، منها أن يؤدي الطبيب خدمته الإلزامية في المكان الذي يختاره، إضافة إلى عدم مصداقية الكثير من الجهات التي تتعاقد مع الطبيب واكتشافهم أن العروض التي قدمت لهم وهمية وهي غير الواقع تماماً.
لا ننكر أن القطاع الطبي استطاع النهوض من جديد رغم النقص الذي يعاني منه في بعض الاختصاصات، كاختصاص التخدير، لكن ما يجري من قبل الأطباء ذوي الاختصاصات القليلة برفع الأجور وابتزاز المرضى يحمل الكثير من الظلم بحق المرضى، في حين يرى الأطباء أن التسعيرة التي مازالت تعمل بها الوزارة فيها الكثير من الغبن والظلم بحقهم، خاصة ممن ارتفعت عليهم أسعار المواد والتجهيزات الطبية وإيجارات العيادات التي مازالت تحلّق هي الأخرى، وتساءل الكثيرون عن استجابة الوزارة لمطالبات معامل الأدوية برفع أسعار الأدوية في حين مازالت أجور معاينة الأطباء قيد الدراسة والفحص والتمحيص!.
أساليب ملتوية
تحت هذه المبررات وغيرها لجأ الكثير من الأطباء إلى حلول فردية لم يجد المرضى خياراً أمامهم سوى الموافقة عليها، وعدم تقديم الشكاوى للوزارة، فبين رفع المعاينة حسب مزاجهم دون انتظار صدور قرار رسمي بها، وعدم قيام البعض بواجبهم المهني في المشافي الحكومية المتعاقدين معها على أكمل وجه، والطلب من المرضى زيارتهم في عياداتهم الخاصة تحت حجة المعاينة الخاصة بأجهزة حديثة وبجو هادئ بعيداً عن ازدحام المشافي، نجد أن جيب المريض “المنهك” هو المستهدف الأول والأخير تحت منحى تجاري ربحي بحت، ما يتناقض تماماً مع مهنة الطب الإنسانية، في المقابل يجد الأطباء مبرراتهم التي لا تخرج من دائرة الغلاء، إذ لم تسلم أية شريحة في المجتمع من التضخم الجامح والارتفاع المخيف للأسعار، وبالتالي، حسب تصريحات الأطباء، فإن الخيار الوحيد أمامهم مع باقي الشرائح هو اتباع أساليب ملتوية لرفع أجورهم لمواكبة هذه الأسعار، لاسيما أن جميع الجهات المعنية تنظر إلى الطبيب وكأنه جزار، وبالتالي لا يحتاج إلى رفع أجرة معاينته، متجاهلين رفع أسعار المواد المستهلكة التي يتم استيراد معظمها، والتي تتجاوز أسعارها أضعافاً مضاعفة أسعار المواد المصنعة محلياً.
باب رزق
التصريحات السابقة التي حملت الكثير من التفاؤل عند الأطباء برفع أجور معاينتهم الشهر الماضي فتحت باباً جديداً للرزق، إذ كانت للصيادلة حصتهم من جيب المواطن من خلال مزاولتهم مهنة الطب والتمريض بدلاً من الطبيب، وتوفيراً لأجرة المعاينة، لاسيما أن سعر المعاينة الطبية والدواء مجتمعين يفوق في بعض الحالات راتب الموظف الذي لا حول ولا قوة له سوى استشارة الصيدلي أو المقيم في الصيدلية الذي هو غالباً لا يحمل شهادة اختصاص كون أغلب الصيدليات يتم تأجيرها لخريجي معاهد طبية، إلا أن المبلغ العيني الذي يدفعه لقاء هذه الاستشارة يبقى أرحم مما سيدفعه بين جدران العيادات المختصة، متناسين أن الكثير من الحالات الاستشارية الفوضوية التي تمت في الصيدليات، والتي جرى وصف جرعات أدوية لا علاقة لها بالحالة المرضية للمريض، انتهت بالمشافي دون أدنى شعور بالمسؤولية!.
قيد الصدور
التسعيرة الجديدة للأطباء التي كان من المفترض أن تصدر الشهر الماضي، حسب ما صرّح به مسؤول نقابي في نقابة ريف دمشق، مازالت قيد الصدور حتى الآن، خاصة أن القرار بحسب مصدر في وزارة الصحة يدور في فلك الأطباء ونقابتهم ووزارتهم منذ أشهر، لنتجه بسؤالنا إلى غسان فندي رئيس نقابة أطباء سورية الذي فضّل عدم الإجابة عن أسئلتنا إلى حين انعقاد المؤتمر السنوي لهم الذي سيبحث جميع قضايا ومشاكل الأطباء، مكتفياً بالقول: “نأمل قريباً صدور الزيادة”، في حين أكد عماد سعادة رئيس فرع نقابة أطباء دمشق أن دراسة زيادة التعرفة للأطباء انتهت الشهر الماضي، والموضوع اليوم على طاولة وزارة الصحة التي هي الأخرى لم تستجب لتساؤلاتنا، لتبقى زيادة التعرفة الخاصة بالأطباء في دائرة الغموض، وربما ستصدر على هيئة مفاجأة للمواطن كباقي الزيادات دون سابق إنذار!.
كان الله بعون المواطن الفقير، ألا يكفيه همه اليومي بتأمين حاجاته ومتطلباته المعيشية التي بات يشتريها بالحبة والقطعة، لتأتي أجور المعاينات والأدوية وتزيد النار الذي لم يعد جسده وجيبه قادرين على تحمّلها؟!.
ميس بركات