مضيعة للوقت..!
معن الغادري
لا شكّ أن الظروف الاقتصادية الضاغطة أنتجت واقعاً صعباً ومعقداً، وغيّرت الكثير من موازين وملامح العمل المؤسّساتي والإنتاجي، وفرضت محدّدات وشروطاً جديدة قد تكون أصعب، وربما معقّدة للغاية، لتجاوز هذه المرحلة المثقلة بالتحديات والتي تتطلّب جهداً كبيراً ونوايا صادقة للتخفيف ما أمكن من حدّتها وتأثيراتها السلبية، وبالتالي الخروج من عنق الزجاجة.
وأمام هذا الكمّ الكبير من التراكمات والقضايا والملفات المؤجلة ينبغي على المعنيين، كلّ حسب اختصاصه، إجراء مراجعة متأنية للحقائق على الأرض وإجراء تحليل دقيق للواقع الراهن ومجمل البيانات لكشف مكامن الضعف وتحديد مواقع القوة، وبالتالي إيجاد أفضل السبل والطرق للتقدّم خطوات جريئة باتجاه التصدي لمجمل الأزمات، وخاصة المفتعل منها، إذ لم يعد منطقياً التعامل معها بالعقلية والأريحية نفسها، في وقت تزداد الحاجة فيه إلى تزايد ورفع مستويات الأداء ووتائر الإنتاج، ما يتطلّب إعادة تنظيم العلاقة بين جميع الشركاء في القطاعين العام والخاص، ومعالجة المشكلات العالقة لناحية مصادر التمويل والسياسات النقدية والمصرفية غير الواضحة، وقضايا أخرى ذات صلة بملفات متعثرة، منها ضعف الإمكانات والموارد، وغياب أية منهجية واضحة لإدارة ملف الاستثمار على وجه التحديد، وإقامة مشاريع حيوية وإستراتيجية وتنموية، والذي يشكّل السبب الرئيسي في تراجع مؤشرات النمو وضياع عشرات بل مئات الفرص الحقيقيّة للاستفادة من الطاقات والموارد المتاحة. هذا الجدل والنقاش عمره عشرات السنين، وما زلنا نراوح في المكان، إن لم نتراجع، حيث لم تنجح الاجتماعات وما يصدر عنها من توصيات وقرارات في إحداث التغيير المطلوب، ما يدلّ على وجود خلل وقصور في التخطيط والتنفيذ، وهو في الواقع لغز محيّر تقع مسؤولية فكفكة رموزه في المقام الأول على الوزارات المعنية ومديرياتها ومؤسّساتها، سواء في حلب أو في باقي المحافظات التي لا تستند برامجها وخططها إلى أي رؤية شاملة وواضحة تضع العملية الاستثمارية والإنتاجية في مقدمة أولوياتها.
ونعتقد أنه من الضرورة الأخذ بالأسباب المباشرة وغير المباشرة لمجمل المتبدلات والمتغيّرات اللحظية واليومية والتعاطي معها بانفتاح وروح مرنة، ولو تطلّب الأمر تحديث القوانين والتشريعات، وبما يسهم في تقديم كل التسهيلات والمحفزات والدعم المطلوب لإطلاق المزيد من المشاريع الإستراتيجية، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار تُغري أصحاب رؤوس الأموال الراكدة والمهاجرة.
ما نودّ الإشارة إليه في هذه العجالة أن الأقوال والوعود حتى اللحظة لم تقترن بالأفعال على الأرض، حيث ما زالت الفجوة والهوة بين آليات العمل –الخططية والتنفيذية– عميقة جداً، وهو ما يعطّل الشراكة المطلوبة لدفع عملية البناء والنمو.
مما سبق نرى أن أي تأخير في إجراء مقاربة شفافة ومنطقية لمدخلات ومخرجات العمل بتنوعه ومفرداته وتفاصيله سيضاعف من الأثر السلبي على الواقعين الاقتصادي والمعيشي، وهو ما يجب أن يضعه المعنيون وأصحاب القرار في الحسبان والاعتبار قبل فوات الأوان، فالتغيير يجب أن يكون في الجوهر والمضمون وليس في الشكل والأسماء وفي تبادل المواقع والمناصب وحسب، لأن في ذلك مضيعة للوقت وهدراً للمال والجهود!.