حرب ستتيح تصويب التاريخ
بالتزامن، تدعو الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار في المناطق المحتلة الخارجة عن سيطرة الدولة الوطنية السورية في شمال شرق سورية وشمال غربها، وهي المناطق المحتلة إما من قبل أمريكا، أو الواقعة تحت سيطرة ميليشا عصابة “قسد” المدعومة أمريكيا، شرق سورية وشمال شرقها، وفي الغرب وشمال غرب، حيث تقع تحت تحت سيطرة العصابات الإرهابية في إدلب وقوات العثمنجي أردوغان.
أقول “بالتزامن”، بدأ الإرهابي العبيط أردوغان عملية عسكرية واسعة في سورية، مستغلاً الظرف الدولي الراهن، وانشغال روسيا بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وبتمثيلية وساطته المخادعة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تذكر بتمثيلية الـ “5 ثواني” التي “أتقنها” مع الصهيوني بيريس، والتي نفذها بتنسيق وطلب أمريكي، في محاولة للاقتطاع من رصيد محور المقاومة، ولما هو أسوأ، لاحقاً، بتحويل الصراع من صراع عربي صهيوني إلى صراعات مذهبية وطائفية وعرقية في المنطقة.
لكن ما لم يدركه، أو يدركه عبقري زمانه، الرئيس الأمريكي بايدن، لكنه يتجاهله وحليفه العثمنجي المتلون “أن زمان أول تحوّل”، بحسب المحكية الشعبية، فقواعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتداعياتهما ومخرجاتهما، لن تتكرر، فالتاريخ لا يتكرر دائماً في جوانبه السلبية إلا عند الأغبياء ممن “لا يحبون صعود الجبال”، ولا ينتصرون لحقوقهم ومصالحهم وحرياتهم واستقرارهم واستقلالهم ووحدتهم وعزتهم.
كما أن تجرية أحادية القطبية، التي سادت بانتهاء حقبة الحرب الباردة، قدمت أنموذجا غاية في السوء، كراهية وحروبا وعدوانات وفتناً وسرقات مشهودة واستغلالا وإرهابا. ومن الطبيعي جداً أن تفرز الأحادية هذه النتائج، فالأحادية بعامة منافية لقوانين الكون، طبيعية ومجتمعية. وبالتالي, هذه النتائج الصارخة في بؤسها وتعدياتها، خلّقت قناعة عالمية بضرورة التحرر من النظام الأحادي، باتجاه تعددية قطبية وليس ثنائية فحسب.
لكن الغرب بقيادة الولايات المتحدة ومعه عواصم الاتحاد الأوروبي، النافذة بخاصة، وبريطانيا وأوكرانيا وإسرائيل، ومعهم المريدين والتابعين والزواحف والهوام والهلاميات (..) يرفض استيعاب حقيقة أن العالم يتغير هرولة، وأن مصالحهم ليست بالمكابرة و”المجاهرة بالإثم”، والغباء منقطع النظير، وإنما بلحاق أنفسهم للتموضع بأقل الخسائر، وإيجاد مقاعد ثانوية في النظام الجديد؛ فالتيار العالمي الجديد جارف ويحظى بمساندة عالمية وازنة ظاهرة وغير ظاهرة، وسيسقط كل من يقف في طريقه، وسط مباركات عالمية واسعة، من قبل كل الأمم والدول والشعوب التي تعرضت للإجحاف والعدوان والحروب والفتن والإرهاب وسرقة الثروات والمقدرات والثورات الليلكية.
بايدن في دعواته التي أشرنا إليها في المقدمة، والعثمنجلي الذي يهدد بشن حرب جديدة ضد سورية (طالما بدأها تكرارا ضد العراق)، وتل ابيب في فحيحها المتصل، ثلاثتهم يظنون أنهم يفرضون أمراً واقعا مستداماً، لكنهم في أعماقهم يدركون جيداً أنهم كمن ينتحر.. وأنهم يقامرون بمكانتهم وبأنظمتهم السياسية الآيلة للسقوط غير بعيد، مغلّبين مصالحهم الفردانية، عل وعسى، على مصالحهم المحلية وشركائهم الذين باتوا أقرب إلى المستعمرات منها إلى الدول المستقلة ذات السيادة، وتحول الهوام والزواحف في غير موضع إلى “مماسح زفر”.
ستصوب الحرب الجارية ــ القادمة، الإقتصادية والعسكرية غير التقليدية عن بعد، التاريخ المفترى عليه بنتيجة الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما أفرزته نهاية الحرب الباردة والقطبية الأحادية من مظالم دولية.. ستستعيد سورية مثلا ـ ليس جولانها فحسب، وما احتله الأمريكان وصنيعته “قسد” فحسب، ولا ما احتله العثمنجي الساكن خارج التغطية والعقل والإيمان الحقيقي، فحسب، ولا ما أسلمته الحرب الإستعمارية الأولى لوريث المستعمر العثمنجي من أراضي سورية الطبيعية التاريخية، وأتبعه المستعمر الفرنسي بلواء الأسكندرون.
هم بغبائهم، أمريكان وصهاينة وعثامنة وأوروبيين ورجعيين، ومن يليهم من زواحف، يمنحون العالم، وضمنه سورية، فرصاً ذهبية ستتحقق لتصويب التاريخ ومسح مظالمه.
محمد شريف الجيوسي (الأردن)