قمّة الأمريكيتين تؤكد تراجع هيمنة واشنطن على “حديقتها الخلفية”
تقرير إخباري:
انطلقت القمّة التاسعة للأمريكيتين في ظلّ استبعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، ورفض الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور المشاركة فيها، مبرّراً قراره بالقول: لن أحضر القمة لأنه لم تُدعَ إليها كل دول أميركا، مؤكّداً إيمانه بـضرورة تغيير سياسة الإقصاء التي فُرضت منذ قرون.
موقف الرئيس المكسيكي الذي قالت “نيويورك تايمز” في مقال سابق: إنه سيوجّه “ضربة مذلة” لـ”بايدن” ويهدّد بخسائر جسيمة لسمعة البيت الأبيض، ويمكن أن يسلّط الضوء على ضعف واشنطن في المنطقة، يوضح حقيقة المزاج الشعبي وحتى الحكومي لدول أمريكا الوسطى والجنوبية الرافض لنظرة التعالي الأمريكية باعتبارهم تابعين بحكم الجغرافيا لنفوذها، وخصوصاً أنه يصدر عن دولة طالما اعتُبرت من الحلفاء المقرّبين لواشنطن حتى الأمس القريب.
القمّة التي تستمر يومين وتركّز على الهجرة والتغيّر المناخي وانعدام الأمن الغذائي، تحوّلت بفعل عُنجهية وتسلّط الإدارة الأمريكية “كغيرها من القضايا العالمية الإنسانية الملحّة” إلى منبر سياسي “تُوزّع فيه واشنطن شهادات حسن السلوك الديمقراطي على حلفائها وتحجبه عن مخالفيها”، وحسب البيت الأبيض عدم دعوة كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، يعود إلى أنّ هذه الدول “لا تحترم مبادئ الميثاق الديمقراطي للدول الأميركية” الساري منذ عام 2001.
في المقابل وصف الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل القمّة بأنها أضحت مشهداً ذا صبغة استعمارية جديدة، مضيفاً: إن الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة مجرّد وهم، ومبيّناً أن واشنطن غير قادرة على ضمان حقوق مواطنيها على أراضيها.
وقال كانيل: “في الولايات المتحدة لا توجد ضمانات للخدمات الصحية الأساسية، كما أن بيع الأسلحة له أولوية على حقوق الأطفال أو حصولهم على التعليم”، مستنكراً مظاهر العنصرية والتمييز واستخدام مصطلح الديمقراطية لأغراض سياسية.
الرئيس الكوبي أكد أن واشنطن لديها القدرة على منع وجود كوبا في لوس أنجلوس، لكنها لا تملك القوة لإسكات صوتها أو إخفاء الحقيقة.
ولم يبتعد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو كثيراً عن ذلك، حيث وصف قرار واشنطن عدم دعوته شخصياً، فضلاً عن عدم دعوة زعيمي كوبا ونيكاراغوا بأنّه “عمل من أعمال التمييز”، معتبراً أنّ الحكومة الأميركية تكفّلت بإحباط القمّة.
القمة التي أراد سيّد البيت الأبيض عقدها لتلميع صورة أمريكا في محيطها والعالم لم تسِر الأمور أثناء افتتاحها كما رغب، حيث أفاد صحفيون عاملون في البيت الأبيض بأن متظاهرين حاولوا مقاطعة بايدن، ويُظهر البث المباشر للحدث أنه فور بدء كلمة الرئيس الأمريكي، بدأت تُسمع صيحاتٌ من القاعة، وتوقّف بايدن وضحك، لكنه واصل حديثه.
وجاء في بيان صدر عن صحفيي البيت الأبيض: “تمّت مقاطعة خطاب بايدن على الفور تقريباً على يد شخصين من الجمهور. لم يستطع الفريق الصحفي المرافق معرفة ما قاله المحتجون”.
وتُظهر اللقطات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي كيف يتم سحب امرأة خارج القاعة وهي تطبق بيدها على فمها وتصرخ بينما يحيي الرئيس الأمريكي زملاءه المجتمعين في الحدث من على المنصة، هذا فضلاً عن حادثة اعتداء الشرطة الأميركية على فتاة بالضرب المبرح عندما حاولت الاقتراب من موكب الرئيس الأميركي.
هذه الأحداث التي سبقت القمة ورافقت بثّها، تثبت ما قاله نائب رئيس “مجلس الأميركيتين” إريك فارنزوورث خلال جلسة استماع في الكونغرس في وقت سابق من أنّ كل قمّة باتت “أقل طموحاً” من سابقتها.
كذلك تؤكد هذه الأحداث، تصريحاتٍ سابقة لخبير بارز لدى مركز الحوار الأميركي الداخلي للأبحاث مايكل شيفتر الذي قال: إنّ الضجة المرتبطة بالجهات المدعوّة إلى حضور القمة تعكس تراجع هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة، وخصوصاً أنّ الصعوبات السياسية لجو بايدن، الذي لا يحظى بشعبية، والذي يواجه فقدان السيطرة على الكونغرس بعد الانتخابات المقررة الخريف المقبل، لا تخفى على زعماء المنطقة، مضيفاً: إن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بقدر كبير من القوة الناعمة، أمّا بالنسبة إلى نفوذها، سياسياً ودبلوماسياً، فإنه يتضاءل يوماً بعد يوم.
إبراهيم مرهج