“الاستثنائية الأمريكية” تهدد السلام العالمي
ترجمة: عائدة أسعد
إن مصطلح “الاستثنائية الأمريكية” هو في الواقع فكرة لا أساس لها من الصحة، تؤدي إلى الاعتقاد بأن الأمريكيين متفوقون، وبالتالي يحقّ لهم فرض مُثلهم العليا وموطئ قدم عسكري في كل ركن من أركان العالم.
وهذه العقيدة الرئيسية هي أيضاً تبرير لتنفيذ أكثر السياسات الخارجية عنفاً ووحشية في التاريخ الحديث، والتحريض على الانقلابات والعمليات النفسية والحروب تحت التظاهر الزائف بمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، أو محاولات “استعادة الديمقراطية” عن طريق تغيير النظام!.
إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست استثنائية بأي حال من الأحوال، وسجلها خالٍ من الأمجاد، ولذلك من خلال التمسّك بمصطلح الاستثنائية الأمريكية يمكن للسياسيين إغراء الجماهير الأمريكية بالرضا عن النفس في محاولة غير مجدية للتنكر بالحالة المختلة التي وصلت البلاد إليها، ومنها الديون المتزايدة باستمرار والتي تبلغ 30 تريليون دولار، والأزمات العرقية والاجتماعية والمخدرات. والولايات المتحدة مستثناة من أي تداعيات أخلاقية أو مالية خطيرة عندما يقتل جيشها مدنيين، أو يخدع سياسيوها البلدان في صراعات مع معلومات مضلّلة في التاريخ الحديث.
لقد خلقت الولايات المتحدة أسوأ أزمة لاجئين في التاريخ الحديث من خلال إرهاب الملايين في سورية والعراق وأفغانستان واليمن وليبيا، وتشريد 32 مليون شخص من ديارهم، وصادرت هذا العام أصولاً روسية مودعة في الولايات المتحدة، واستفادت من مبيعات أسلحة بمئات المليارات من الدولارات. واللافت للنظر أن وسائل الإعلام الغربية منذ اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا في شباط الماضي، تتستّر على تورط الولايات المتحدة في تصعيد التوتر في أوروبا الشرقية وزحف الناتو على مدى العقود الثلاثة الماضية، وعلاوة على ذلك تخلق العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام الغربية الانطباع بأن الحلّ الدبلوماسي لم يكن أبداً خياراً، وليس هناك سوى بدائل تفكيكية بالنسبة لكل من روسيا وأوكرانيا.
يجب أن يكون واضحاً الآن أن الناتو قد تجاوز هدفه بعد أن أنجز بالفعل هدفه التأسيسي، وهو مواجهة الاتحاد السوفييتي (غير الموجود حالياً)، ولا يمكن تبرير المزيد من التوسّع، حيث يحتاج الأعضاء الأوروبيون إلى فهم أنه حتى بدون تأكيدات الناتو فإن القوة الدفاعية للاتحاد الأوروبي كافية كرادع لجميع المقاصد والأغراض، ولاسيما بالنظر إلى أن 800 مليار دولار تنفقها الولايات المتحدة على الناتو كل عام، وهي لا تفعل شيئاً سوى خدمة المصالح الأمريكية. كما أن استبدال الاستقلال العسكري للاتحاد الأوروبي بالعبودية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة سيؤدي في النهاية إلى الخراب لأعضاء الاتحاد الأوروبي أنفسهم، إذ كيف يمكن الوثوق بحليف سيشكل تحالفات عسكرية من خلف الظهر، كما حدث عندما شكلت الولايات المتحدة الاتفاقية الأمنية “أوكوس” مع أستراليا والمملكة المتحدة دون استشارة ألمانيا أو فرنسا؟.
إن هذا يؤدي إلى نقطة أخيرة، وهي أن استمرار التحركات العدوانية الأمريكية على شكل توسّع باتجاه الشرق من شأنه أن يزعزع الأمن العالمي، ولن يُنظر إلى هذا التوسع على أنه تهديد مباشر لروسيا والصين فحسب، بل سيؤدي حتماً إلى تصعيد التوترات العالمية إلى مستوى لم يسبق له مثيل، وتعطيل حياة معظم الناس على وجه الأرض.
لذلك يتعيّن على أعضاء الناتو أن يدركوا اللعبة الخطيرة التي تلعبها الولايات المتحدة وتقودها قبل الوقوع في مأزق دائم في الحرب الباردة بين سنوات من إنفاق تريليونات الدولارات للتحضير لحرب قد تحدث أو لا تحدث أو لحرب عالمية جديدة.