حوار “شانغريلا”.. آسيا والمحيط الهادئ عند مفترق طرق
هناء شروف
في الوقت الحاضر تتشابك التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، ولم يخرج الجنس البشري بعد من ظل الوباء وأزمة أوكرانيا، وحتى عقلية الحرب الباردة عادت إلى الظهور، وبدأت الأحادية تتفشى. مرة أخرى تقف منطقة آسيا والمحيط الهادئ عند مفترق طرق تاريخي آخر في مواجهة الوضع الجديد، إذ تحتلّ مكانة أكثر أهمية في العالم ويتوجب عليها لعب دور أكبر.
على هذه الخلفية، سيعقد حوار “شانغريلا” التاسع عشر في الفترة من 10 إلى 12 حزيران بعد أن تمّ تعليقه لمدة عامين، حيث من المتوقع أن يجذب اهتماماً كبيراً في جميع أنحاء العالم من منظور جدول أعمال هذا العام، خاصةً وأن النظام والأمن الإقليميين سيكونان محور المناقشة.
تعتبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمثابة دعامة للسلام والاستقرار العالميين، ومحركاً للنمو العالمي، ومساحة جديدة في التعاون الدولي، ولكن في سياق التنافس بين القوى الكبرى، والعجز في الثقة، تواجه منطقة آسيا والمحيط الهادئ الآن خيارين متعارضين: الأول بناء أسرة منفتحة على التعاون المربح للجانبين، والثاني الذهاب لتكتلات صغيرة على أساس عقلية الحرب الباردة ومواجهة جماعية.
منذ العام الحالي، اتخذت إدارة جو بايدن سلسلة من الإجراءات بشأن “إستراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ”، والتي تهدف أساساً إلى “التنافس مع الصين” من الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية، بالإضافة إلى الحوار الأمني الرباعي بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، والشراكة الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.
في الآونة الأخيرة، خلال زيارة بايدن إلى الدول الآسيوية، أعلن عن إطلاق ما يُسمّى “الإطار الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ”، وبدا الأمر وكأنه سلسلة من تصرفات الولايات المتحدة الغارقة في عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن، والغرض الأساسي منها هو خدمة “أمريكا أولاً”، والحفاظ على هيمنتها التي يرتكز جوهرها على خلق الانقسام والتحريض وتقويض السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.
لا يتعلق السلام والازدهار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمصير المنطقة فحسب بل بمستقبل العالم أيضاً، فقد قامت الولايات المتحدة بمحو اسم “آسيا والمحيط الهادئ” عن عمد، وتبنّت نهجاً آخر في محاولة لجلب الجماعات العسكرية ومواجهة الكتلة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ مما سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح المشتركة لدول المنطقة.
لذلك فإن ما يُسمّى بالأهمية التي توليها الولايات المتحدة لحلفائها وشركائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تهدف إلى فصل دول المنطقة عن الصين وجعلها بمثابة “بيادق” الهيمنة الأمريكية، لكن تحجم دول آسيا والمحيط الهادئ عموماً عن الانحياز إلى أي طرف، والصوت السائد هو أنها تأمل في أن تعيش جميع البلدان في وئام، وتنخرط في تعاون مربح للجانبين.