دراساتصحيفة البعث

“الأنانية” سمة السياسة الخارجية الأمريكية

عناية ناصر

حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حديثه للقناة الأولى الروسية الولايات المتحدة من أن بلاده ستضرب أهدافاً جديدة – لم يحددها – في حال تم تزويد أوكرانيا بأنظمة صاروخية متطورة، مضيفاً أن شحنات الأسلحة الجديدة إلى كييف تهدف إلى إطالة أمد الصراع.

تصريحات بوتين جاءت بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن تزويد الأوكرانيين بأنظمة صاروخية وذخائر أكثر تطوراً ستمكنهم من ضرب أهداف رئيسية بدقة أكبر في ساحة المعركة في أوكرانيا. وفي هذا الشأن قال سونغ تشونغ بينغ، الخبير العسكري المقيم في بكين، إن الأهداف التي تحدث عنها بوتين يمكن أن تكون داخل وخارج أوكرانيا.

تجدر الإشارة أنه منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية دأبت الولايات المتحدة على إرسال أسلحة ثقيلة و أكثر تطوراً إلى أوكرانيا، وعملت أيضاً على تصعيد الموقف، حيث بات من الواضح أن الولايات المتحدة تعلم أن الصراع الطويل بين روسيا وأوكرانيا يخدم مصالحها طالما لم تتوصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق لوقف الحرب.

وفي هذا الإطار، قال شو ليانغ، الأستاذ المشارك في كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الدولية لصحيفة “غلوبال تايمز”:  “إن طبيعة المساعدة العسكرية الأمريكية لأوكرانيا قد تغيرت، فقد وضعت الولايات المتحدة مصالحها فوق كل الاعتبارات، وتم تصميم مساعدتها العسكرية لأوكرانيا وفقاً لهدفها الاستراتيجي المتمثل في القتال من أجل الحفاظ على القوة العالمية”.

لطالما كانت الأنانية هي السمة المميزة للسياسة الخارجية الأمريكية، و الصراع الجاري في أوكرانيا دليل على ذلك. وبوضع الولايات المتحدة لمصالحها الذاتية في الاعتبار، لن تتحمل أية مسؤولية عن تطوير البلدان التي تفتخر بأنها “حليفة” أو “شريكة”، ولن تهتم أيضاً برفاهية الناس في تلك الدول. ومع استمرار أزمة أوكرانيا، تواصل الولايات المتحدة تصعيد التوترات بين روسيا وأوكرانيا وخلق المزيد من العقبات أمام التوصل إلى اتفاق سلمي. بعبارة أخرى، تحاول الولايات المتحدة استغلال أزمة أوكرانيا للحفاظ على هيمنتها وقيادتها للعالم، وعلى دورها  الذي بدأ يضعف ويتراجع . فمن خلال حربها في سورية، إلى كارثتها في أفغانستان، إلى حساباتها الحالية في أوكرانيا، أرادت واشنطن التحكم في الوضع من وراء الكواليس، وجني المكاسب مقابل لاشيء مما جعلها أقل ثقة بنفسها، والانسحاب من مسرح الهيمنة العالمي الذي نصبت نفسها عليه ذات مرة.

لقد باءت حسابات واشنطن بالفشل فهي كانت تأخذ موقف “المتفرج” أثناء الأزمات، وتريد أن ترى البلدان الأخرى تُستنفد مواردها، لكن الوضع تطور ليخرج عن نطاق سيطرتها. وبعد كل شيء، تعكس الأزمة الأوكرانية خلل الهيمنة الأمريكية والنظام العالمي الذي تحدده هي فقط. فمن جهة، تدفع الولايات المتحدة بسياستها الخارجية إلى الأمام وتتجاهل المخاوف الأمنية للدول الأخرى. ومن جهة أخرى، عندما لا تكفي قوتها للحفاظ على النظام العالمي، فإنها تجلب الاضطراب والخراب للعالم.

خلال المنتدى الاقتصادي الأوراسي الأول الذي جرى في أواخر شهر أيار الماضي، قال بوتين: “لا يوجد شرطي عالمي يمكنه إيقاف العملية العالمية للدول التي تنتهج سياسة مستقلة”. وفي ذات السياق، قال سونغ: ” العالم لن يكون أحادي القطب”. وبناء على ذلك، يتعين على واشنطن أن تأخذ تحذير بوتين على محمل الجد، وألا تتسبب في اندلاع الحرب العالمية الثالثة، كما يجب عليها إدراك أنه لم يعد بإمكانها أن تملي أوامرها على البلدان الأخرى، وتحدد النظام العالمي وفق منظورها.