دراساتصحيفة البعث

العالم لا يدور حول الغرب فقط

هيفاء علي

أعاد وزير الخارجي الهندي، جايشانكار، تأكيد أوراق اعتماده كواحد من أبرز المحافظين السياديين متعددي الأقطاب في العالم بعد تذكير الغرب بأن العالم لا يدور حوله، وذلك في معرض لقاء له مع مؤسسة الفكر السلوفاكية، أجاب خلاله على الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية لدولته الحضارية في الحرب الباردة الجديدة. وفي هذا اللقاء، أشار جايشانكار إلى أنه يتعين على أوروبا الخروج من عقلية أن مشكلة أوروبا هي مشكلة العالم، ولكن مشكلة العالم ليست مشكلة أوروبا.

إن البيان الصادر عن قوة عظمى صاعدة في الجنوب مثل الهند كان قوياً للغاية، لجهة أنها رفضت الخضوع للضغط الغربية بقيادة الولايات المتحدة لإدانة روسيا علناً، بسبب عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والعقوبات المفروضة عليها. وهذا شيء طبيعي كون الهند تمثل خمس سكان العالم، وتمثل خامس أو سادس أكبر اقتصاد في العالم، لذلك يجب أن يكون واضحاً للجميع أن الهند بلد كبير جداً، ومؤثر وقوي جداً بحيث لا يمكن للآخرين دفعه الى اتخاذ قرارات ومواقف ضد مصالحه، بل تتماشى سياستها الخارجية الواقعية الجديدة مع روح العالم على عكس الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.

وخلال اللقاء، أشار وزير الخارجي الهندي إلى أن كل ما يقوله الغرب بقيادة الولايات المتحدة حول ما يسمى بـ “الأخلاق” و”المبادئ” و”النظام القائم على القواعد” ليس أكثر من مجرد خطاب طنان موجه للجمهور للاستهلاك كجزء من حملة الحرب المعرفية العالمية لكسب القلوب والعقول. وفي هذا السياق، أكد استطلاع حديث أجراه “التحالف من أجل الديمقراطيات”، والذي لديه أسباب أيديولوجية متأصلة للتلاعب بنتائجه، أنه يتعلق فقط بأولئك الموجودين في الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، والذين لديهم وجهة نظر سلبية عن روسيا، وأن أحد الأسباب الوحيدة التي تجعل الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة لديه مثل هذه النظرة السلبية لروسيا هو أن شعبها هم الجمهور الأسير لوسائل الإعلام التي تسيطر عليها النخبة بعد أن قامت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بمراقبة وسائل الإعلام الروسية التي تمولها الأموال العامة.

وقال: على سبيل المثال، شجب العديد من الأمريكيين حقيقة أن حكومتهم قدمت لأوكرانيا 40 مليار دولار في خضم واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، والتي أدت إلى نقص في حليب الأطفال في جميع أنحاء البلاد، لم يفعلوا أي شيء ملموس مثل الاحتجاج أمام البيت الأبيض، بل اكتفوا بالشجب والتذمر وسيقبلون بشكل سلبي أن حكومتهم ستعطي المزيد في المستقبل. وهذا الأمر يتناقض بشكل صارخ مع الجنوب، حيث يدعم معظم السكان بحماس الحياد المبدئي لحكومتهم بشأن أزمة أوكرانيا، لدرجة أن المرء يتوقع أن يحتج الكثير منهم إذا أدان قادتهم روسيا علناً تضامناً مع الولايات المتحدة. ومن ثم يضيف المسؤول الهندي إن الغرب هو المعزول عن بقية العالم،وليس العكس،تماماً كما صرح رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، في مقال نشرته وسائل الاعلام الايطالية.

وبالتالي، فإن تضامن الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا مصطنع وهش للغاية، حيث تم تشكيله نتيجة لتلاعب أمريكا بتصورات هذا الصراع من أجل إعادة تأكيد هيمنتها المتراجعة أحادية القطب على تلك الحضارة. لذلك فهو عكس تضامن الجنوب لصالح روسيا الذي يحظى بشعبية حقيقية، وبالتالي يعكس إرادة شعوب هذه البلدان. ورغم ذلك، يتجاهل العديد من الغربيين هذه الحقائق لأنهم محتجزون كرهائن من قبل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها النخبة، والتي تراقب وتفبرك الأحداث في جميع أنحاء العالم وتجّيرها لصالحها، لا سيما تلك المتعلقة بالصراع الأوكراني.